العلاقات المصرية - التركية.. إعادة تشكيل القوى الإقليمية
زار سامح شكري وزير الخارجية، اليوم الخميس، تركيا، بناءً على رغبة من نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وتطرق اللقاء للعديد من القضايا، في مقدمتها العلاقات الثنائية وتنمية المؤسسات بين البلدين والجهود المبذولة، كما تناول كافة أوجه العلاقات والعمل علي تذليل أى ما قد يحد من تطور العلاقات والارتقاء بها، والاستجابة إلى رغبة البلدين في تعظيم الاستفادة من هذه العلاقة.
وأكد شكري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أوغلو، أن هناك أرضية راسخة من العلاقات التاريخية التى تربط بين البلدين والشعبين، والإحساس المتبادل بأن فى تنمية هذه العلاقة ما يعضد الاستقرار على المستوي الإقليمي والدولي، ويعود بالنفع بشكل كبير على شعبى البلدين وشعوب المنطقة بصفة عامة.
زيارة سامح شكري إلى تركيا، تعد الثانية له خلال شهرين، وسبقها في مارس الماضي زيارة وزير الخارجية التركي إلى مصر، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسئول تركي منذ 10 سنوات، بعد انقطاع العلاقة بين مصر وتركيا على خلفية دعم الأخيرة جماعة الإخوان الإرهابية إبان تولي الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم.
وعلى الرغم من مرور 10 سنوات على القطيعة، إلا أن العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين لم تنقطع، وطبقًا لإحصائيات عام 2022 كانت تركيا هي أكبر مستورد من السوق المصرية بمقدار 4 مليار دولار.
في نوفمبر 2022 وخلال افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، التقى الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، ما دعا البعض إلى الحديث حول عودة العلاقات بين البلدين.
القضايا الخلافية
بدأت الطيعة بين مصر وتركيا في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، حيث أعلنت تركيا دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية، فيما اعتبرت مصر هذه الخطوة دعمًا للإرهاب، وقامت بطرد السفير التركي بالقاهرة وخفضت التمثيل الدبلوماسي إلى قائم بالأعمال، وقامت تركيا باستضافة عناصر الجماعة الهاربين، وأنشأ العديد منهم قنوات إعلامية برعاية تركية لمهاجمة النظام المصري، وهو ما انعكس بالسلب على العلاقة بين البلدين.
سوريا كانت تعد أحد القضايا الخلافية بين الطرفين المصري والتركي، خاصة مع تزايد العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السورية، وكذلك ليبيا التي سعت تركيا للتدخل فيها ودعم الميليشيات، وهو ما علقت مصر عليه آنذاك بأن مصر تبدي عدم الارتياح للتواجد التركي في ليبيا.
أمن الطاقة والأمن الإقليمي
الأمر لا يقتصر على ذلك ولكن أمن الطاقة كان أحد مسببات النزاع والخلافات بين الجانبين المصري والتركي، وأصبحت عمليات التنقيب عن الغاز سبب رئيس للخلاف، خاصة بعدما أصبح المتسوط مؤخرًا ساحة استراتيجية رئيسية للغاز بالمنطقة، وقامت مصر بتوقيع العديد من اتفاقيات التنقيب مع قبرص واليونان.
الأمن الإقليمي أيضًا كان من الأٍباب التي أدت إلى تفاقم الصراع بين الطرفين، حيث قامت تركيا باستعراض قوتها في محاولة إلى تطبيق سياسة الرئيس التركي أردوغان بالتوسع والمنافسة واستعراض القوة، وسعت للتدخل في سوريا وليبيا والقضية الفلسطينية، وهو ما اعتبرته مصر تدخلًا في أمور المنطقة العربية، وسعت إلى الحفاظ على أمنها القومي.
أردوغان يتودد لمصر
في أوائل 2021 انطلقت أولى التصريحات الرسمية من الرئيس التركي أردوغان، والتي اعتبرها محللون بأنها تودد للقيادة المصرية ومحاولة لتهدئة الأمور وقال أردوغان: "الشعب المصري لا يختلف مع تركيا"، فيما صرح وزير خارجيته بعد ذلك بأن مصر وتركيا لديهما أطول حدود بحرية مشتركة ويمكن أن يوقعا اتفاقيات مستقبلًا، وهو ما دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى التصريح بـ: "إذا وجدت مصر تغييرًا في السياسة التركية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، فقد تكون هذه أرضية ومنطلقًا للعلاقات الطبيعية"، ووضعت مصر شروطًا للمصالحة أهمها التوقف عن دعم الجماعة الإرهابية.
مع بداية عام 2022 قامت تركيا بالعديد من الخطوات التي تثبت حسن نيتها في عودة العلاقات المصرية التركية، وقامت بوقف أنشطة عدد من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، وطردت البعض الآخر، وهو ما اعتبرته القيادة المصرية خطوة جيدة في عودة التطبيع مع تركيا.
طارق فهمي: القمة الرئاسية المقبلة هي الأهم
وفي هذا السياق، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن زيارة وزير الخارجية سامح شكري، إلى تركيا ولقاء نظيره التركي، هي استكمال للجهود التي انطلقت خلال الفترة الماضية لعودة العلاقات بين البلدين.
وأكد فهمي في تصريحات خاصة لـ"مصر الآن"، أن وزير الخارجية تم استقباله استقبلًا قويًا ومهيبًا، بشكل يؤكد أن تركيا تسعى إلى استعادة علاقتها مع مصر بشكل قوي، وتقدر دورها الإقليمي، منوهًا أن شكري أطلق العديد من التصريحات الهامة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره التركي داوود أوغلو، ومنها القضية الليبية والسورية والقضية الفلسطينية، وهو ما يؤكد الموقف القوي لمصر، وأهميتها الإقليمية والدولية، وكذلك أوضح موقف مصر الواضح من العديد من القضايا الإقليمية.
وشدد فهمي، على أن الزيارة ستعجل بزيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا، أو زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة، موضحًا أن القمة المرتقبة بينهما ستكون هي الأهم والأقوى خلال الفترة الحالية.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن هناك معادلات كبرى في الإقليم يتم تشكيلها حاليًا، وهذه المعادلات بالإضافة للدول العربية التي تسعى إلى لم الشمل هي مصر والسعودية وتركيا وإيران، منوهًا أن هذا سيرتب أوضاع الإقليم كله بشكل كامل، وإعادة رسم المنطقة بكل ما فيها.