نشأة العقيدة المصرية على ضفاف وادي النيل
نشأت أرض مصر القديمة بين سلسلة جبال الصحراء الشرقية والصحراء الغربية وكانت تسمى في العصور الغابرة، كيمت، أو الأرض السوداء وتكونت تلك الأرض من ترسيب طبقات الطمي التي تراكمت على مدار آلاف السنين من الفيضانات السنوية التي تسببها الأمطار الموسمية في أفريقيا ولولا النيل الأبيض الذى يتفرع من بحيرة فيكتوريا وبحيرة ألبرت العظمى، ولولا النيل الأزرق الذي تغذيه هضبة أثيوبيا لغدت تلك الأرض السوداء صحراء جرداء قاحلة تلفحها حرارة الشمس الحارقة.
وفي كتابها، "المرأة الفرعونية"، تقول كريستيان ديروش نوبلكور، أمن المصريون القدماء أن كل شيء يخضع لإرادة عظمى تهيمن على قدر العالم أجمع، وأن تلك القوى العظمى تسيطر على حياة كل كائن حي، وتنظم وترتب أموره في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، التي قسمها المصريون الى أربع وعشرين ساعة. وجمعوا الأيام في سنوات يتألف كل منها من ٣٦٥ يوما، تبدأ بقدوم الفيضان وكأنما كان هذا الفيضان ساعة حائط هائلة لا تتوقف أبدا أو تقويما يتكرر بدقة مذهلة.
وتواصل: ينقسم وادى النيل الى إقليمين هما مصر العليا أو الصعيد، ومصر السفلى أو الدلتا حيث تخصب الأرض وتزدهر الزراعة. أما خارج أرض الوادي فلا يلقى المرء أمنا أو سلاما. إن هذه الواحة الفريدة من نوعها تحفها الرمال من الشرق والغرب، وكأنما هي إطار يحدد مجرى الحياة الدائبة. إن هذا لبرهان إلهى قاطع على ديمومة الحركة التي لا يجب أبدا أن تغير من توازنها، أو أن يعاق تقدمها، وهو المفهوم الذي تغلغل في أذهان المصريين أكثر من غيرهم.
وتضيف، إن جذور المصريين تضرب الى أعماق أرضهم، ولقد آمنوا إيمانا لا يتزعزع بأن كل ما ينعمون به هو منحة من الإله الأعظم، وأن عليهم أن يدمجوا كل شيء في إطار هذا النظام الكوني الذي خلقه الإله. ومن ثم فعلى كل مخلوق أن يرضى بما قسمه له خالقه وكل ما أحاطه به، ولكن عليه أن يستغل الطاقات الكامنة التي أودعها فيه واحاطه بها هذا الخالق الأعظم استغلالا أقصى. ولقد خلق الاله الذكر والأنثى ليتكاملا وعليهما أن يقوما بدورهما المقدر والمحدد ولهما أن ينعما بالتقدير والاحترام اللذين هما أهل لهما.