مصر والهند إنطلاقة إستراتيجية جديدة لمسيرة تاريخية .
أكد السفير. د . محمد حجازي مساعد وزير الخارجية سفير مصر الاسبق في الهند
أن مصر والهند تقدم مجدداً نموذجًا للإستقلالية الإقليمية في عصر الإستقطاب الدولي.
تقدم مصر والهند للعالم الان نموذجًا جديدًا للاستقلالية الإقليمية، عبر البحث عن المشتركات والسعي من أجل مصير تتحدد فيه قواعد الحركة الدولية، و من خلال التعاون و التفاهم بينهما وحرصهما على حفظ مكانة للقوى الاقليمية وسط صراع وتنافس القوى العظمى.
فمن الواضح جليا رغبة القاهرة ونيودلهي في تعزيز العلاقات المشتركة بينهما ادراكا لترابط الدور المحوري الكبير الذي تلعبه كلا الدولتين لتحقيق أمن واستقرار محيطهما الاقليمي سواء في العالم العربي و الشرق الاوسط بالنسبة لمصر أو بجنوب آسيا بالنسبة للهند.
وتاتي زيارة" ناريندرا مودى" رئيس وزراء الهند للقاهرة في توقيت شديد الأهمية والتعقيد على الساحة الدولية والإقليمية، لاسيما مع ازدياد صعوبة المشهد الدولي بعد ضغوط جائحة كورونا وتداعياتها علي بلدان واقتصاديات العالم ، والوضع الدولي الراهن وتعقيداته بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية و الاستقطابات الدولية والضغوط الإقليمية التي يشهدها العالم اليوم.
و تأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي للقاهرة بعد خمسة أشهر فقط من مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي كضيف شرف رئيسي في احتفالات الهند ب"يوم الجمهورية" ، وهو ما اعد لدلالته تعبيرًا صادقًا من الهند عن ادراك الهند أهمية مصر وقائدها، وتقديرها لحاضر ومستقبل العلاقات المصرية الهندية.
وقد شهدت العلاقات المصرية الهندية العديد من المؤشرات التي توحي بدخولها بالفعل حيز العلاقات الاستراتيجية ، فمن الجوانب الاهم لتلك الشراكة بين مصر والهند حرصهما على استقرار أمن الملاحة الدولية لاسيما أمن البحر الأحمر و قناة السويس والخليج العربي، وضمان حرية الملاحة التي تتطلع الهند لارساء دعائمها من المحيط الهادي حتى الباسفيك ووصولا الي أوروبا عبر قناة السويس.
من بين المؤشرات للتحول الاستراتيجي في. مسار العلاقات زيارة وزير الدفاع الهندي "راجناث سينج" في سبتمبر الماضي للقاهرة والتي تم التوقيع خلالها على مذكرة تعاون عسكرى، والاتفاق على دعم العلاقات العسكرية والأمنية والتدريب ومكافحة الارهاب ، علاوة على دعوة الهند مصر للانضمام للحوار الدفاعي بين الهند ودول افريقيا، بجانب المناورات العسكرية البحرية المصرية الهندية وزيارات متبادلة للقطع الاسطول البحري لموانئ البلدين والتي ترسي من خلالها الدولتين دعائم الامن والاستقرار و ضمان حرية الملاحة كما ذكرنا في المناطق الممتدة من المحيط الهادي مرورًا بالمضايق وقناة السويس والبحر الأحمر .
ومن المشاهد التي باتت تؤشر للابعاد الاستراتيجية توضح المسار الاستراتيجي للعلاقات دعوة الهند لمصر في قمة مجموعة العشرين كشريك رئيسي من خارج المجموعة (التي تترأسها الهند) على مستوى رؤساء الدول والحكومات والتي تستضيفها نيودلهي يومي 9 و 10 سبتمبر 2023، بجانب دعم الهند لعضوية مصر في تجمع البريكس الذي يضم الهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، ومرشحة للانضمام اليه كلا من مصر
والسعودية والجزائر ،
كما أن رئيس وزراء الهند عبر عن حرصة على تقديم دعم اقتصادي هام واستثماري لمصر لم يعلن عنة بعد، فضلًا عما قدمته الشركات الهندية خلال قمة المناخ COP27 في شرم الشيخ من استثمارات ضخمة تقدر بنحو ١٨ مليار دولار في مجال الهيدروجين الأخضر .
وهكذا تستمر الهند في تقديم المبادرات واللفتات الطيبة لمصر ، حيث استثنت موخرا مصر من قرار حظر تصدير الاقماح الهندية في إطار حرصها على تحقيق الأمن الغدائي وتقديم الدعم الاقتصادي لأصدقائها، ولا يفوتنا ان نتوج هنا بأن دولة الهند تعد الان من أكثر الاقتصاديات صعودًا في مجموعة العشرين، و قوى رئيسية يعتد بها على الساحة الدولية وهي الدولة الاولي الان من حيث عدد سكانها والاقتصاد المرشح للمرتبة الثالثة عام ٢٠٣٠ بعد الولايات المتحدة والصين.
الهند تعد كذلك إحدى مراكز انتاج الدواء في العالم فهي بمثابة صيدلية العالم ، وتمتلك العديد من التكنولوجيات الحديثة الهامة التي يمكن ان تستفيد منها مصر بلا قيود مثل : تكنولوجيا الفضاء، والتكنولوجيا النووية، والهندسة الوراثية، والذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة المتجددة، و التي يمكن تقديمها لمصر للاستفادة منها.
وفي هذا الشأن احد ان الفرصة مواتية للتاكيد علي أهمية إنشاء جامعة علمية تكنولوجية مصرية هندية على غرار "جامعة العلوم والتكنولوجيا الشهيرة في مدينة “ بانجلور" -واحدة من أقدم وأبرز الجامعات التكنولوجية في الهند- والتي تضم العديد من مراكز العلوم و التكنولوجيا ، و التي يمكن أن تصبح أحد صروح العلاقات العلمية والتعليمية بين البلدين.
واشدد كذلك على أهمية زيارة السيد رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منذ ايام قليلة اليي نيودلهي في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية والانتاج من خلال الدعوة لإنشاء منطقة صناعية هندية تضم كبري شركات ومصنعي الهند ، حتى تستفيد الصناعات الهندية من قدرات مصر في مجال الطاقة والكهرباء والصناعات بهذه المنطقة والتصدير من خلال هذا الموقع الجغرافي الفريد للهند ولباقي أنحاء العالم .
والطفرة الاقتصادية التي حققتها الهند خلال الأعوام الماضية حيث تعد من الدول الجاذبة للاستثمارات الاجنبية والتي قدرت بنحو ٨٠ مليار دولار عام ٢٠٢٠ وذلك على الرغم من تداعيات جائحة كورونا ، كما لديها كوادر في جميع المجالات يمكن ان يقدموا إضافة هامة للصناعات المصرية ومجالات التكنولوجيات المتنوعة التي تملكها وأن الهند تبنت منذ عام ٢٠١٤ مبدأ "صنع في الهند " و أصبحت من أكبر المصنعين على المستوى العالمي وأسهمت من خلال القوانين و التشريعات في اتاحة الفرصة لانطلاق العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة السيارات خاصة الكهربائية.
كما اذكر بالعلاقات التاريخية الوثيقة بين مصر والهند -رواد حركة عدم الانحياز- حيث أسهمتا في تحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة، ومؤهلتان اليوم لمواجهة ظاهرة الاستقطاب الدولي وتعزيز الاستقلالية في هذه المرحلة شديدة الصعوبة، بجانب الترتيبات الإقليمية التي تكفل لدول المنطقة حقوقها في مواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة، ان مستقبل العلاقات المصرية الهندية مشرق وواعد لانة يستند علي حقائق الجغرافيا والتاريخ والاهم ذلك الرباط الحضاري الذي يجمع شعبي البلدين والوعي الاستراتيجي الذي يميز قيادة البلدين عبر مراحل وتاريخ العلاقات الممتدة.