ماذا تبقى من المطالب الأربعة التي وضعها صندوق النقد الدولي لإقراض مصر؟
في 16 ديسمبر الماضي، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على عقد اتفاق مدته 46 شهرا مع مصر في إطار «تسهيل الصندوق الممدد» بقيمة 3 مليارات دولار تقريبا، مع صرف دفعة عاجلة بقيمة 347 مليون دولار، للمساعدة في تلبية احتياجات ميزان المدفوعات ودعم الموازنة، وهو ما يأتي وفق الاتفاق بين الطرفين والمفاوضات التي بدات في شهر مارس الماضي.
اشتراطات ومطالب
ويتضمن البرنامج الاقتصادي المدعوم باتفاق «تسهيل الصندوق الممدد» إلى تنفيذ حزمة شاملة من السياسات، تتضمن 4 مطالب رئيسية، أولها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن لتعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة بناء الاحتياطيات الوقائية الخارجية، وثانيها تنفيذ سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض معدلات التضخم تدريجيا تماشيا مع أهداف البنك المركزي، إلى جانب تعزيز آلية انتقال آثار السياسة النقدية.
ويتمثل المطلب الثالث في الضبط المالي وإدارة الدين لضمان تراجع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي واحتواء إجمالي الاحتياجات التمويلية، مع زيادة الإنفاق الاجتماعي وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة، وإدارة المشروعات الاستثمارية الوطنية بما يحقق استدامة المركزي الخارجي والاستقرار الاقتصادي، ورابعا إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتقليص بصمة الدولة، وضمان المنافسة العادلة بين جميع الكيانات الاقتصادية، وتسهيل تحقيق النمو بقيادة القطاع الخاص، وتعزيز الحوكمة والشفافية في القطاع العام.
تحركات الحكومة والبنك المركزي
وعلى مدار الشهور الماضية، بدأت الحكومة فعليا في تنفيذا إجراءات، واتخاذ قرارات، بالتعاون مع البنك المركزي، لتنفيذ تلك السياسات، ففيما يتعلق بالمطلب الأول، حرر البنك المركزي، أسعار الصرف مرتين، المرة الأولى في 21 مارس، وصعد سعر الدولار من 15.6 جنيها، إلى 18.7 جنيها، والثانية في 27 أكتوبر، وقفز بعدها سعر الدولار إلى نحو 24.7 جنيها بنهاية ديسمبر الماضي، إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن التقارير البحثية الصادرة عن مؤسسات دولية تشير إلى أن العملة المصرية لا تزال تُدار إلى حد ما، وأن صندوق النقد الدولي قد يحتاج إلى مزيد من الإثبات على أن مصر اعتمدت سعرًا مرنًا للصرف حقًا.
وقف المبادرات التمويلية
وفيما يتعلق بخفض مطالبة الخزانة العامة بأية تعويضات عن دعم البنك المركزي لهذه المبادرات، فإن الحكومة قررت في 23 نوفمبر نقل تبعية مبادرات البنك المركزي للتمويل منخفضة العائد إلى جهات حكومية مختلفة، ووقف إصدار أية مبادرات تمويل جديدة،
أما بالنسبة لتنفيذ سياسة نقدية لخفض معدلات التضخم، فإن رفع الفائدة كان هو التوجه الأقرب للبنك المركزي، خلال الاجتماعين الأخيرين، وبلغت نسبة الزيادة التي طرأت على أسعار الفائدة على الجنيه، خلال عام 2022 نحو 8%، وسط ترقب لقرارات مماثلة خلال الفترة المقبلة.
كما اتجهت الحكومة إلى تيسير إجراءات الاستيراد، والعودة مجدد للعمل بنظام التحصيلات، بعدما ألغت العمل بالاعتمادات المستندية، والتي تم إقرارها في فبراير الماضي، وذلك لتقليل تكلفة الاستيراد، ما يحافظ على استقرار الأسعار في السوق خلال الفترة المقبلة.
حدود السحب من الخارج
وعلى صعيد ملف السحب والإيداع قررت عدة بنوك حكومية مصرية، خفض حدود سحب العملات الأجنبية المقومة بالعملة المحلية لعمليات السحب النقدي والمشتريات خارج مصر، ثم تبعه إصدار البنك المركزي المصري تعليمات للبنوك تتضمن استثناء فئات محددة من تلك القرارات، حيث وجه البنوك بتدبير النقد الأجنبي وفتح حدود البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للاحتياجات بالعملة الأجنبية «لأغراض التعليم والعلاج بدون حدود قصوى»، وذلك عند طلب العميل لتلك الاستخدامات، وتقديم المستندات المؤيدة لذلك.
الحماية الاجتماعية
وفيما يخص زيادة الإنفاق الاجتماعي وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة، وإدارة المشروعات الاستثمارية الوطنية بما يحقق استدامة المركزي الخارجي والاستقرار الاقتصادي، فإن الحكومة توسعت في البرامج والمشروعات الخاصة بالفئات الأكثر احتياجا، وذلك يظهر بقوة من خلال مبادرة حياة كريمة، والتي تتجاوز تكلفتها 700 مليار جنيه، وفق ما كشفه الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
كما قررت الحكومة خلال الأشهر الماضية تأجيل أي زيادات كان من المقرر إقرارها على تكلفة الكهرباء، للتخفيف عن المواطنين وتقليل الأعباء المالية عليهم، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية متردية، وتصاعد مستمر في معدلات التضخم.
زيادة دور القطاع الخاص
وعن إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتقليص بصمة الدولة، وضمان المنافسة العادلة بين جميع الكيانات الاقتصادية، وتسهيل تحقيق النمو بقيادة القطاع الخاص، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي وافق خلال الأسبوع الماضي، على وثيقة ملكية الدولة، والتي ستفتح الباب أمام تخارج الدولة من أكثر من 70 قطاعا استثماريا.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة ستبدأ في تنفيذ الوثيقة على الفور، وذلك لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه الدولة والذي يتمثل في وضع إطار تنظيمي واضح ومحدد، يتم من خلاله تنظيم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويعمل في الوقت نفسه على تعزيز مشاركة القطاع الخاص في المشروعات التنموية.