كنوزنا المجهولة.. مواقع أثرية مُهْمَلة بطول مصر وعرضها
زاهي حواس: بها كنوز أثرية لا تقل أهميتها عن مواقعنا المعروفة للعالم
حسين عبدالبصير: وضعها على قائمة المزارات يؤدي إلى انتعاشة قوية لمصر
محمد عبداللطيف: لا أحد يُنافسنا أثريًا واقترح تقسيم المواقع جغرافيا
مصطفى وزيري: المواقع مفتوحة والأمر بيد شركات السياحة وزيارتها تحتاج لشهرين
عندما تُذكر السياحة والمواقع السياحية، يُذكر اسم مصر، صاحبة أقدم حضارة إنسانية عرفها التاريخ، تلك الحضارة التي أشرقت من بين ضفّتى نيلها الخالد، لتروى للعالم أمّة بَنَتْ المجد، وسبقت كل حضارات العالم شرقًا وغربًا، وعلّمت الإنسانية فنون الطب والفلك والهندسة والعمارة، علاوة على ذلك، لم تكن القوة العسكرية للجيش في مصر القديمة بمعزل عن التقدم والتطور، لذا بقيت حدودها ثابتة لم تتغير على مر التاريخ بفضل جيشها القوى منذ آلاف السنين، والذي كان له دور كبير في فرض الاستقرار والأمان في الداخل والخارج، الأمر الذي وفّر المُناخ المُلائم للتشييد والزراعة والبناء ودراسة مختلف العلوم، وبناء السدود وشق المصارف والترع، وزراعة الأراضي، الأمر الذي حبا مصر بمئات المواقع السياحية والأثرية بمختلف محافظاتها، والتى تتربع أغلبها على قائمة التراث العالمي.
وفي هذا السياق، ودعمًا منها للترويج السياحي تُسلط «مصر الآن» الضوء على المزارات السياحية المصرية الهامة، والتي لا يُعرف عنها الكثير، والتي لا تقل أهمية وروعة عن المعالم السياحية المصرية التي اكتسبت شهرة عالمية. حيت تترامى في أطراف وادي النيل الخصيب العديد من المناطق الأثرية من مختلف العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية، فضلا عن الرومانية واليونانية.
آثار الدلتا
تزخر الدلتا بالعديد من المواقع المتميزة منها، موقع تانيس "صان الحجر"، ويأتي على رأس المواقع المصرية المهمشة، وغير المدرجة على قائمة السياحة المصرية، وكانت عاصمة مصر الثانية فى عهد رمسيس الثانى بعد مدينة "طيبة"، وهذه المنطقة مهمشة، رغم أنها لا تقل عن مدينة الأقصر بالبر الغربي، بما تحتوى عليه من معابد وتماثيل، وهي أول خط على البوابة الشرقية لمصر بعد سيناء، ونحن هنا نتحدث عن الاستفادة من السفن التى تعبر قناة السويس بأن يتحول الموقع لمزار سياحى للبحارة فهى لا تبعد سوى 20 كيلومترا من قناة السويس، فهذا المكان لا يدرك أحد قيمته التاريخية.
وهناك موقعى "قنطير" و"تل الضبعة" بفاقوس محافظة الشرقية، وهما موقعان من أغنى ما يكون سياحيًا وأثريًا، ويُشار إليهما بالبنان، وتل الضبعة يعود لفترة حكم الهكسوس، وهى التي وجدت بها مقابر الكنعانيين ولوحاتهم، وهي الفترة التي تنسب ليوسف عليه السلام، وجنوب هذا المكان وعلى بعد 40 كيلومترا يقع تل بسطة بالزقازيق، وهو المعروف بمنطقة الإله "بس"، وهو مربع بالكامل 60 كيلومترا، وفى محافظة الغربية يوجد موقع بهبيت الحجارة وهو يمثل حقبة تاريخية تحتاج إلى تسليط الضوء عليها كمزار سياحى بالدلتا، وبين موقعى الشرقية والغربية تقع "تمى الأمديد"، مسقط رأس أم كلثوم وهي موقع أثرى مهم جدًا، وبه أعمال حفائر مهمة ويحتاج لتسليط الضوء عليه ليكون على قائمة المزارات السياحية.
الوادي الجديد
كما تزخر محافظة الوادي الجديد بالعديد من المواقع الأثرية التي تتحولت في صمت لمساكن أشباح على الرغم من أنها تعد من أهم المتاحف المفتوحة للآثار المصرية بمختلف عصورها التاريخية لكنها تشكو الإهمال الشديد، فآثار الوادي الجديد لا تقل في الأهمية عن آثار الأقصر وأسوان من حيث تنوعها وقيمتها التاريخية النادرة، فالمحافظة بالكامل عبارة عن متحف مفتوح يضم جميع العصور التاريخية التي قلما تتوافر في مكان واحد على سطح الأرض لكن حتى الآن يجهل السائح تلك المنطقة، ويبلغ عدد المواقع المسجلة لدى وزارة الآثار 120 منطقة أثرية بواحات الوادي الجديد، والحقيقة على أرض الواقع تؤكد وجود أكثر من 400 منطقة أثرية أخرى غير مسجلة، وجميعها ليست على قائمة المزارات السياحية المصرية.
والوادي الجديد تمتلك ثروة أثرية هائلة، تمثل جميع العصور التاريخية والحجرية القديمة والحديثة تستطيع وحدها جذب ملايين السياح لو استثمرت بالشكل الصحيح بما يليق مع قيمتها التاريخية الفريدة وأحسن ترويجها كما هو الحال مع مدينتى الأقصر وأسوان، فالواحات تقف فوق بحر من الآثار النادرة التي لا تقل فى الأهمية عن الجيزة، حيث يوجد حاليا أكثر من 199 منطقة أثرية تم اكتشافها ولا يزال البحث جاريا عن 500 منطقة أثرية أخرى.
آثار سقارة
على بعد ٣ كيلو مترات من منطقة سقارة الأثرية، تقع أهم المناطق الأثرية التي اختارها ملوك الأسرة الخامسة لبناء أهراماتهم ومجموعاتهم الجنائزية، والتي تضم معابد الشمس، بمنطقة أبو غراب، إلا أن هذه المنطقة الغنية بالحضارة لا تلقى الرعاية الحقيقية لتكون على قائمة المزارات السياحية المصرية رغم احتوائها على بقايا معبد الملك "أوسركاف" ومعبد الملك "ساحورع"، الذي يُعد مثالًا للمعابد القديمة.
كما تضم المنطقة مجموعات هرمية ذات قيمة عالية، حيث شيد بها الملك "ساحورع" مجموعته الهرمية، وشيد بها الملك "نفر كارع" مجموعته الهرمية التى توفى قبل أن ينتهى من بنائها، فقام من خلفه على العرش بتعديل التصميم وإكمال العمل بالطوب النيئ، كما شيد بها الملك ""نفر اف رع" مجموعته الهرمية، وشيد الملك "نى وسر رع"، مجموعته الهرمية، علاوة على انتشار منازل الكهنة ومخازن المعابد بالمنطقة.
منطقة الدكة النوبية
الدكة النوبية، والتي كانت تُسمى باليونانية "بسلكيس" والتي تعني "العقرب"، ويتميز معبد الدكة عن كل معابد النوبة في أن اتجاهه شمال جنوب وليس شرق غرب، وتقع بوابته فى الجهة الشمالية من المعبد، ويتميز أيضًا بمحرابين أحدهما للملك النوبى أركماني والثانى للإمبراطور الرومانى "أغسطس"، ويتكون المعبد من صرح به فجوات كانت توضع فيها صاريات الأعلام ويوجد بوسط الصرح مدخل المعبد ويعلوه قرص الشمس المجنح والكورنيش المصري.
آثار المنيا
في أرض بكر لم تطأها أقدام البشر، أمر عابد الإله الواحد، الملك إخناتون، ببناء مدينة "أخيتاتون أو أفق آتون"، كعاصمة جديدة لمصر القديمة، والتي تقع على بعد خمسة وأربعين كم جنوب مقابر بنى حسن بمحافظة المنيا، ولا تزال بقايا هذه العاصمة موجودة حتى الآن، والمعروفة بتل العمارنة، التي اكتشف بها مجموعة من المقابر أهمها مقبرة "مرى رع، أحمس، بنتو، ومقبرة العائلة الملكية"، وتمتد المدينة على طول الشاطئ الشرقى للنيل لمسافة تقترب من خمسة أميال، والتي انتقل إخناتون إليها في العام الرابع من حكمه تاركًا كلًا من منف وطيبة "الأقصر"، اللتين كانتا بمثابة عاصمتي مصر وقتذاك والمقرين الملكيين صيفًا وشتاءً.
وأعلن إخناتون نفسه كاهن آتون الوحيد وتفرغ لعبادته، وتشييد مدينته الجديدة ومعابده، وفتح معبد آتون لجموع العامة، إضافة إلى القصرين الملكيين اللذين ضمتهما المدينة واشتملت على معابد آتون، والأحياء السكنية من منازل للنبلاء وقرية للحرفيين، وتقع المقبرة الملكية في الشمال الشرقي من المدينة، وتنقسم مقابر الأفراد إلى مجموعتين "شمالية، وجنوبية"، تقعان في أقصى شمال المدينة وتشتملان على 25 مقبرة لكبار موظفي الدولة في عهد إخناتون.
آثار سوهاج
وإضافة لما سبق، هناك عدّة مواقع أثرية في سوهاج مثل أخميم وأبى دوس، وأسيوط بها مقابر القوصية، ولدينا تراث ثقافي غنى في هذه المحافظات تحديدًا لأنها وسط وجنوب الصعيد، وهذه المواقع ليست على قائمة المزارات السياحية لأنها تحتاج إلى تكاتف جهود عدد من الوزارات، ومنها الثقافة والسياحة والآثار والحكم المحلي والسياحة والنقل والمواصلات، لحاجة هذه المواقع لفنادق لإقامة السياح، وهذا الأمر خارج عمل الآثار، وإنما تقف أمام تكاتف الجهود لجميع الوزارات لإنجازها.
ويرى الأثري الكبير الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، الذي قدم كتابًا بعنوان "زاهي حواس وأسرار مصر"، أنه من الممكن أن يزور السائح الأجنبى مصر 11 مرة، وفي كل مرة يرى أشياء جديدة.
وقال حواس في تصريحات صحفية، لدينا الواحات الخارجة والداخلة وسيوة، ولدينا الأهرامات في أبورواش، ولدينا مواقع أثرية في اللشت، والقصير، ومنطقة الكاب بجوار الأقصر، إضافة إلى العديد من المزارات السياحية المهمة بالأقصر.
وأضاف "حواس" أن الناس تركز فقط على رحلة الكنوز من الأقصر لأسوان ووادي الملوك والهرم والمتحف المصري، ولكن مثلًا سقارة لم تحصل على حظها رغم أن بها أهم موقع أثري في مصر، وهذا الأمر ينسحب على العديد من المواقع الأثرية المصرية غير المدرجة على خريطة السياحة المصرية، والتي يجب الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها لما بها من كنوز أثرية لا تقل أهميتها عن مواقعنا المعروفة للعالم.
الخبير الأثري الدكتور حسين عبدالبصير، أشار إلى أن آثار "أبو سميل"، لا تُلتفت إليها بالشكل الكافي، وكذلك معابد النوبة التي لا يتم زيارتها، مثل "الدر والمحرّقة" إضافة إلى آثار الواحات البحرية التي لا تحظى بالزيارة الكافية، وآثار الفرافرة وسيوة، والخارجة، والأمر ذاته بالنسبة لآثار سانت كاترين، ولكن لدينا أيضًا موقع هام جدًا وهو سرابيط الخادم، لا يتم تسليط الضوء عليه ولا يتم زيارته.
وواصل عبدالبصير، تتميز مصر بسياحة هامة جدًا، وهي السياحة الدينية، فلدينا على سبيل المثال موقع أبومينا الآثري، ولدينا مسار لا يوجد مثيل له في العالم وهو مسار العائلة المقدسة، وهذه المواقع جميعًا حال وضعها على قائمة المزارات السياحية ستؤدي إلى انتعاشة قوية بالنسبة لمصر.
ومن جانبه قال الدكتور محمد عبداللطيف، نائب وزير الآثار السابق، جميع محافظات مصر تقريبًا، بها تمثيل لمختلف الحقب التاريخية، فنجد أن كل محافظة من محافظات مصر بها أثار فرعونية ويوناني روماني ومسيحي وإسلامي وحديث ومعاصر، ومصر بها زخم آثري كبير، ولدي مقولة دائمًا أرددها، وهي "مصر دولة عظمى أثريًا"، وإن كنّا فقدنا الريادة في أمور كثيرة، ولكن الشيء الوحيد الذي لا ينافسنا فيه أحد لا من حيث النوع ولا الكم هو الآثار.
وأضاف عبداللطيف، أتمنى أن يكون هناك خريطة واضحة لكل محافظة بالمناطق الأثرية وتوضع على برنامج خاص بها، وفي هذه الحالة يمكن أن نربط بين عدة محافظات في إقليم جغرافي واحد، بحيث يكون هناك برنامجًا سياحيًا لمصر الوسطى يضم الفيوم وبني سويف والمنيا، وبرنامج لأسيوط وسوهاج وقنا، والأقصر وأسوان، تكون زيارة قائمة بذاتها، ولدينا منطقة البحر الأحمر، والتي يظن البعض أنها منطقة سياحة ترفيهية فقط، ولكن الحقيقة منطقة القصير تُعد نقطة من أهم النقاط وبها تمثيل رائع جدًا، وكانت أحد منافذ مصر البحرية على البحر الأحمر في التجارة مع وسط وشرق أسيا، إضافة إلى منطقة سيناء التي من الممكن أن تُمثل أمر هام جدًا في السياحة الدينية نظرًا لوجود مجمع الأديان الكبير بها في منطقة سانت كاترين، إضافة إلى السياحة العسكرية، فأكبر موقع لقلاع وحصون في سيناء، التي تحتوي على قلاع مترامية جدًا، واختتم بقوله: لابد من عمل برنامج سياحي لكل مجموعة محافظات في نطاق جغرافي واحد، ويكون لها برنامج سياحي مستقل، وآثار مصر يمكن تقسيمها إلى سبع أو ثمان مناطق جغرافية كل منطقة تتحمل يوم للزيارة.
فيما أكد الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن جميع المواقع الأثرية مفتوحة أمام الزوار، ولكن الأزمة في شركات السياحة.
وقال "وزرير": نحن نفتح جميع المواقع الآثرية للزيارة أمام السيُاح، ولكن شركات السياحة تضعها على برنامجها أو لا "هي حرة، لكن فاتحين المواقع دي ومجهزينها، والسائح يحتاج لشهرين في مصر لزيارة هذه المواقع بالكامل"، في حين أن السائح زيارته تكون لمدة أسبوع، وفي هذا الأسبوع يُركز على المزارات الرئيسية، وأنا أُرحب بالسائح أن يستمر لشهرين في مصر، لكن هل هناك أحد يحصل على أجازة شهرين ليقضيها في مصر؟.