قصار القامة .. يواجهون الحياه بالإرادة و الثقة بالنفس
على الرغم من أن عدد قصار القامة فى مصر يقترب من 200 ألف شخص ويمثل حوالى ثلت أقزام العالم إلا أنهم مازالوا يعانون من عدد كبير من المشكلات على رأسها التنمر و التهميش والتجاهل ، وسط كل تلك المصاعب تجد نماذج ناجحة إستطاعت أن تتحدى الظروف وتواجه التحديات لتخلق لنفسها مكانه مميزة فى المجتمع ..فى التحقيق التالى تفاصيل أكتر عن نماذج ناجحة من قصار القامة ..
نسمة يحيي ..أول موديل من قصار القامة
فى البداية تحدثنا مع نسمة يحيى 21 سنة ، طالبة بالفرقة الرابعة بكلية التربية قسم الإعلام بجامعة المنصورة ، فتقول : حتى وصلت للمرحلة الثانوية كنت أعتقد أننى قصيرة القامة الوحيدة فى العالم ، هكذا بدأت نسمة حديثها معنا ، وتضيف : منذ صغرى وأنا أتعامل فى الحياه مع الأشخاص العاديين وكنت أذهب إلى المدارس العادية وليست المخصصة لذوى الإحتياجات الخاصة ، وحصلت على مجموع 91% فى الثانوية و دخلت مجال الإعلام لأننى أعشق القراءة والكتابة منذ طفولتى كما كنت ومازلت أحرص على كتابة مذكراتى اليومية والبحث عن المعلومات فى مختلف المجالات ، وتشير إلى أنها كانت تتعرض لمواقف سخيفة جدا طوال الوقت وعندما حصلت على مجموع كبير زادت ثقتها فى نفسها وبدأت تقرأ عن قصار القامة وكيفية التأقلم داخل الأسرة والمجتمع ، تؤكد أنها لم تشعر يوما أنها مختلفة لأن أهلها طوال الوقت يعاملونها على أنها طبيعية جدا .
وعن تأسيس أول براند ملابس لقصار القامة ،تقول نسمة : جاءتنى الفكرة منذ عامين تقريبا ،لأننى عانيت كثيرا من صعوبة إيجاد ملابس تناسبنى خصوصا مع إلتحاقى بالمرحلة الإعدادية وعدم ملائمة ملابس الأطفال مع المرحلة العمرية التى كنت أمر بها ،سواء ملابس للمدرسة أو حتى للبيت والخروج وكنت أضطر للتفصيل ، وكان هذا الأمر يزعجنى جدا ،إلى أن إلتحقت بالجامعة وأصبحت أجد صعوبة شديدة فى إختيار وتفصل ملابسى فقررت تصميم ملابس تناسب شكل جسمى وطولى ، وبالفعل قمت بوضع عدة تصميمات للجامعة وقمت بعمل جلسة تصوير وكنت أنا الموديل والمصممة ونشرت الصور على مواقع التواصل الإجتماعى و فوجئت بكم هائل من الإستفسارات من البنات عن ملابسى وبدأوا يستعينون برأيي فى تنفيذ ملابس لهم ، مما شجعنى على إطلاق أول براند خاص بقصار القامة سواء رجال أو سيدات أو أطفال و إخترت له إسم breeze لأنه يعنى "نسمة" ، وتوضح أن هدفها الأساسى من البراند هو تقليل معاناة قصار القامة فى البحث عن ملابس تناسبهم ،خاصة وأن كل شخص منهم يحتاج إلى مقاسات مختلفة عن غيره وبالتالى فى تقوم بتصميم وتنفيذ موديلات خاصة لكل شخص وفقا لمقاساته دون أن يحتاج إلى إضافة أى تعديل على ملابسه .
وتوضح نسمة أنها حصلت على لقب أول موديل من قصار القامة فى عام 2018 ، عندما قامت بتنفيذ تصميمات خاصة بها و تصويرها وعرضها فى وسائل الإعلام وبعدها بدأ مصممى الأزياء يطلبون منها عرض تصميماتهم من فساتين الأفراح والكاجوال وخلافه . وتشير إلى أنها إنضمت لقائمة أكثر 50 سيدة ملهمه لعام 2020 بعد ترشيحها من إحدى المجلات العالمية .
وتؤكد نسمه أنها تعرضها للتنمر من طفولتها كان يؤثر سلبا على نفسيتها ،لكن عندما بدأت تركز أكثر مع نفسها و تبحث عن إثبات ذاتها وتحقيق نجاحات مختلفة زادت ثقتها بنفسها وبقدراتها وإمكانياتها وتوقفت عن التفكير فى أى شىء يزعجها ، بل إستطاعت أن تجبر نفس الأشخاص الذين عانت من تنمرهم لسنوات هم أنفسهم الذين إعترفوا أنها شخصية ناجحة ، فإستغلال الوقت فى تحقيق الذات أفضل كثيرا من إضاعته فى التفكير فى السلبيات الموجودة حولنا خصوصا وان الناس لن يتوقفوا عن الإنتقاد والتنمر بأى شخص .
وعن أهم الصعوبات التى تواجهها نسمة بشكل يومى تقول : أواجه العديد من المشكلات والمصاعب التى تتكرر بشكل شبه يومى ،أهمها أننى فى كثير من الأحيان أضطر لإلغاء بعض المشاوير الهامة بسبب المصاعب التى سوف أواجهها من صعود السلالم والكراسى المرتفعه التى لا أستطيع الجلوس عليها بالمطاعم والكافيهات والكاشرات الغير مناسبة فى السوبر ماركت والأماكن المختلفة و الشبابيك مرتفعه جدا بالمصالح الحكومية ،بالإضاف إلى صعوبة صعود ونزول الأرصفة وصعوبة ركوب وسائل المواصلات المختلفة وبالتالى أوفر على نفسى التعرض لكل تلك المشكلات بعدم النزول من الأساس .
وعن كلمة السر فى حياة نسمة ،فتقول : أمى هى السبب الأول والأساسى فى تقبل ظروفى و شعورى بالإتزان والإعتماد على الله ،فهى دائما ما تنصحنى وتقف بجانبى وتدعمنى وتساندنى فى كل خطواتى فأصبحت أثق فى قدراتى وأصبحت إنسانة مختلفة .
أما فيما يخص طموحاتها وأحلامها ، فتوضح نسمة :أتمنى أن أصبح يوما مذيعة لبرنامج يحكى عن التميز والإختلاف والإلهام وأن يشاهده الجمهور فى كل أنحاء العالم ،كما أتمنى أن يحقق كتابى " قصيرة ولكن" إنتشارا ونجاحا كبيرا ليساعد غيرى من قصار القامة على مواجهة المجتمع و الحياه بمصاعبها والتعامل معها بقوة وإصرار دون التأثر بأى شىء سلبى حولنا.
عمرو إبراهيم أول بطل كمال أجسام من قصار القامة
وفى المجال الرياضى إلتقينا "عمرو إبراهيم 20 سنة " أول بطل كمال الأجسام من قصار القامة " فيقول :
دخلت عالم كمال الأجسام ورفع الأثقال عندما كان عمرى 10 سنوات ، حيث طلبت من ابن عمى الذى يعمل مدربا لكمال الأجسام أن يقوم بتدريبى كى أصبح بطلا رياضيا ، والحمد لله إستطعت الحصول على العديد من بطولات الجمهورية وحققت نجاحات كثيرة آخرها كان حصولى على المركز الثانى على مستوى الجمهورية فى بطولة رفع الأثقال لمتحدى الإعاقة .ويؤكد عمرو أنه يتمنى أن يثبت للعالم كله أنه قادر على عمل أى شىء مهما كان صعبا ويحتاج إلى جهد كبير . ويوضح أنه لم يكتفى بكمال الأجسام ورفع الأثقال بل إنضم أيضا إلى منتخب قصار القامه لكرة القدم بسبب عشقه لكرة القدم منذ طفولته .
ويؤكد أن ممارستة الرياضة جعلته أكثر ثقة بنفسه ، وأكثر قدرة على التعايش مع المجتمع رغم تعرضه للكثير من المشكلات والصعوبات التى على رأسها التنمر.
ويشير إلى أنه يحرص أيضا على تطبيق نصائح جدته التى ورث عنها "قصر القامة" حيث كانت ومازالت دافعا له للإستمرار فى تحقيق أهدافه ومواجهة المجتمع بقوة وإرادة .
ويوضح عمرو أنه يعشق التمثيل جدا وأتيحت له فرصة المشاركة فى مسلسل "مملكة إبليس" ويتمنى أن يشارك فى عمل فنى يتناول موضوعات تهم قصار القامة وتعبر عن إحتياجاتهم ومشكلاتهم اليومية .
وعن أحلامه وطموحاته يتمنى عمرو أن يحترم الناس قصار القامة ويتوقفوا عن الإستهزاء والتنمر بهم ويعتبرونهم أشخاص عاديين مثلهم لأن أكثر ما يضايقهم فى المجتمع هى نظرات الشفقة و الإستهزاء التى يقابلونها بشكل يومى.
قصة حب محمد وسارة " طويل عليها وقصيرة عليه "
"اللى يحبك هيتباهى بيك مش هيسمح لأى حد يتنمر عليك " .. هذا ما قالته سارة طه 34 سنة ممثلة ومطربة من قصارالقامة عبر حسابها على فيسبوك بعد إرتباطها بزوجها محمد سيد 27 سنة ، وتضيف : أعرف محمد منذ حوالى 20 عاما حيث توجد علاقة صداقة تربط بين عائلتينا ، إلى صارحنى محمد بإعجابه بى ورغبته فى أن يتقدم لخطبتى فى عام 2019 ، لكننى رفضت فى البداية خوفا عليه من عدم تقبله نظرة المجتمع له أثناء وجودنا معا خاصة وأننا بالتأكيد لن نسلم من نظرات وألسنة الناس ، لكن تمسكه بى وإصراره على إقناعى بالإرتباط جعلنى أوافق على الفور.
ويقول محمد سيد 25 سنة "بكالوريوس تجارة خارجية" : واجهت الكثير من الصعوبات بمجرد التفكير فى خطوة الإرتباط بسارة ،أولها أننى ظللت ما يقرب من 7 شهور كاملة أحاول إقناعها بفكرة الإرتباط ، وثانيا هوأننى واجهت مشاكل عديدة مع أسرتى بسبب رفضهم هذا الإرتباط فى البداية وذلك لأن سارة أكبر منى بحوالى 6 سنوات وبالتالى يعتقدون أننا مختلفين فى كل شىء وكانوا يتوقعون أنه سوف يحدث تصادم فى الأفكار والآراء وخلافه ، لكنهم تقبلوا الأمر فى النهاية بعدما وجدونى متمسكا بها ومقتنعا تماما .
وعن كيفية مواجهة المواقف السخيفة التى يتعرضون لها،يقول محمد : طبيعى جدا أن نتعرض للتنمر ونلاحظ النظرات الغريبة لبعض الأشخاص التى لانقدر على تفسيرها بشكل دقيق ،هل هى إستغراب أم إعجاب أو إستهزاء ،لكننا لا نهتم أبدا بأى ردود أفعال سلبيه .ويؤكد أنه لا يشعر أبدا بأى فرق بينه وبين سارة فهما متفاهمان لأقصى درجة ،كما أنه لا يشعر بأنها أقصر منه كثيرا كما يرى البعض لكنه يراها إنسانه عادية وطبيعية جدا مثلها مثل غيرها من الفتيات .
وتضيف سارة : طوال عمرى وأنا أتعرض للتنمر والسخريه ،و دائما ما أواجهها بجرأة ،لكننى أصبحت أكثر ثقة بنفسى بعدما إرتبطت بمحمد فأنا أستمد قوتى وثقتى بنفسى من وجوده بجانبى وهذا يجعلنى أشعر بالسعادة والأمان .
وعن سبب قيامهما بتدشين قناة خاصة بهما على يوتيوب ، تؤكد سارة أنه بعد إنتشار صورهما و قصتهما على مواقع التواصل الإجتماعى ، تلقوا كم هائل من الرسائل التى يستفسر الكثيرون من خلالها عن كيفية تعاملهما مع المجتمع والمشكلات التى يواجهونها بشكل يومى ، لذلك قرروا عمل فيديوهات توضح تفاصيل حياتهما اليومية سواء كانت مواقف عادية أوكوميدية أوحتى ظروف صعبة .وتضيف : بما أننى فى الأساس ممثلة فالأمر بالنسبة لى كان فكرة جيدة جدا أستطيع من خلالها إخراج موهبتى وتعريف الناس بى بطريقة مختلفة .
وفى نهاية حديثهما يوضح محمد أنه فخور بسارة ويتمنى أن يوفقهما الله تعالى فى تحقيق طموحاتهما وتكوين أسرة ناجحة تكون نموذج يحتذى به لكل الشباب ، كما تؤكد سارة أن محمد مصدر دعم أساسى لها فهو السند والعوض من الله وتتمنى أن يوفقهما الله تعالى فى حياتهما .
جمعية الأقزام ..تنتظر دعم الدولة
عصام شحاته موظف بمصلحة الضرائب و "مؤسس جمعية الأقزام" يؤكد أنه قام بإشهار جمعية الأقزام بشكل رسمى فى عام 2012 ، حيث قرر هو ومجموعة من زملائه الأقزام بعد عودتهم من العمل لسنوات بدول الخليج أن يقوموا بتأسيس جمعية رسمية تضم كل الأقزام فى مصر لتسهل التواصل فيما بينهم والتواصل أيضا مع المسئولين فى الدولة وتتحدث بإسم " قصار القامة ".
ويضيف : بعد ذلك كان يتم إعداد دستور جديد للبلاد لم يكن هناك أى بند يخص قصار القامة وبذلت جهدا كبيرا فى ذلك الوقت من خلال التواصل مع المسئولين عن وضع الدستورلإضافة مسمى " قصار القامة" فى الدستور لنحصل على حقوقنا أسوة بغيرنا من ذوى القدرات الخاصة والحمد لله بعد معاناة كبيرة إستطعت إقناع المسئولين بتفعيل مسمى "الأقزام" وضمه إلى الدستور فى عام 2015 ومنذ ذلك الوقت أصبحنا نستخرج كارنيه "المعاقين" ونحصل على كافة إمتيازات وحقوق المعاقين.
وعن الأهداف الآخرى للجمعية يؤكد شحاته أنه يسعى لضم الأقزام لإستكمال نسبة 5% للعمل بالمؤسسات والشركات والمصالح المختلفة حتى يحصل كل شخص من قصار القامة على معاش وزارة التضامن الإجتماعى خصوصا وأن عدد كبير من الأقزام لا يتمكن من الحصول على وظيفة تناسب قدراته الجسدية و حالته الصحية وبالتالى يعانون كثيرا فمن الضرورى توفير دخل ثابت لهم يتمثل فى المعاش حتى يتمكنوامن تغطية الحد الأدنى من إحتياجاتهم المادية .
ويوضح شحاته أنه يحاول الوصول إلى كل ألأقزام فى كل أنحاء الجمهورية لكن مازال هناك بعض الأقزام المتواجدين بالقرى والنجوع والذين يصعب الوصول إليهم بسبب عدم رغبتهم فى الخروج والتعامل مع المجتمع بأى حال من الأحوال خوفا من مواجهة أى مصاعب أو مشكلات.
وعن تأسيس أول فريق لكرة القدم للأقزام يقول شحاته :أسعى طوال الوقت كى أجعل حياة الأقزام طبيعية تماما حتى لا يشعرون بوجود أى فروق بينهم وبين الأشخاص العاديين فقررت تأسيس فريق لكرة القدم حتى يتمكن عشاق كرة القدم من قصار القامة من ممارسة رياضتهم المفضلة والشعور بأنهم ليسوا مهمشين وأصبح الآن لدينا فريقين لكرة القدم ،فريق للكبار "فوق 14 سنة" ،وفريق لمن هم أقل من 14 سنة .
يؤكد شحاته أنه يسعى لإرضاء كافة الأذواق ،حيث ساعد محبى لعبة الكاراتيه من الأقزام على ممارسة هذه اللعبة وتعلمها على يد مدربين متخصصين ،وبالفعل تم تشكيل أول منتخب للكاراتيه من قصار القامة أيضا ، كما أسس أول فرق لمسرح العرائس للأقزام بمحافظة الإسكندرية.
ويوضح عصام أنه يسعى بكل جد لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لكل قصار القامة من أعضاء الجمعية وذلك من خلال جهوده الذاتيه وعلاقاته الشخصية مع عدد من الأطباء من مختلف التخصصات والذين يقدمون خدمات الكشف والعلاج مجانا وبأسعار رمزية جدا فى كثير من الأحيان .
ويتمنى عصام أن يحصل الأقزام على إهتمام الدولة بطريقة توفر إحتياجاتهم ويتمنى أن يأتى اليوم الذى يتخلص فيه قصار القامة من كل المشكلات والعقبات اليومية التى يواجهونها فى أدق تفاصيل حياتهم وأن تصبح الطرق والشوارع والمصالح الحكومية مهيئة لإستقبالهم بشكل يسهل عليهم إنهاء كل مصالحهم مثلهم مثل غيرهم من الأشخاص .