
"تريند الصور مع الراحلين بالذكاء الاصطناعي".. خبراء يحذرون من مخاطره النفسية والأخلاقية

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة موجة واسعة من تداول صور مُعدلة بالذكاء الاصطناعي، تجمع الأحياء بأحبائهم الراحلين في مشاهد افتراضية تبدو وكأنها واقعية. هذه الظاهرة، التي رآها البعض وسيلة لاستعادة لحظة دافئة مع من فقدوهم، أثارت جدلاً واسعًا حول تأثيراتها النفسية والاجتماعية، بل وطرحت أسئلة أخلاقية عن حدود التعامل مع الذاكرة الإنسانية وحرمة الموت.
الدكتور عبد العزيز آدم، أخصائي علم النفس، أن هذه التقنية ليست مجرد صيحة عابرة، بل تحمل انعكاسات عميقة تمس مشاعر الأفراد وصحتهم النفسية. وقال: "الذكاء الاصطناعي هنا لا يكتفي بإحياء الصور بل يتعامل مع أثمن ما نملك: الذاكرة الإنسانية وخصوصية الموت".
بين الحنين والوهم
أوضح الخبير النفسي أن الحنين إلى الراحلين شعور طبيعي وصحي، إذ يساعد الإنسان على التكيف مع الفقد من خلال العودة إلى الصور القديمة أو التسجيلات الصوتية. لكن الخطورة، وفق قوله، تبدأ حين يُعاد إنتاج لحظات لم تحدث في الواقع، حيث يختلط الحقيقي بالافتراضي، ما قد يضع العقل في دائرة إنكار متجددة تعطل عملية التقبل.
عرقلة مسار الحداد
وبيّن آدم أن الحداد عملية تمر بمراحل متدرجة: الصدمة، الإنكار، الغضب، الحزن، ثم التقبل. غير أن إدخال صور وفيديوهات مزيفة يعيد الشخص مرارًا إلى مربع الإنكار، فيحصل على "جرعات مؤقتة من الحضور الوهمي"، لكنها تزيد الألم لاحقًا وتغلق الطريق أمام التعافي.
الذاكرة الإنسانية بين التشويه والارتباك
وأضاف: "الذكريات ليست أرشيفًا جامدًا، بل مزيج من مشاعر وتجارب حقيقية. وحين تتداخل معها صور مصطنعة، يصبح من الصعب التمييز بين ما عشناه فعلاً وما تم تزييفه رقميًا، لتتحول الذكرى من مصدر للسكينة إلى عامل ارتباك نفسي وتشويش عاطفي".
أبعاد أخلاقية واجتماعية
إلى جانب المخاطر النفسية، يطرح التريند تساؤلات أخلاقية. فوفاء الأحياء لذويهم الراحلين، كما يرى الخبير، لا يكون باختلاق لحظات غير حقيقية، وإنما بالحفاظ على ذكراهم الصادقة، واستحضار القيم التي تركوها، والدعاء لهم بالرحمة. أما نشر صور مُزيفة على المنصات الرقمية فيخدم غالبًا رغبات لحظية في جذب الانتباه أكثر مما يعبّر عن وفاء حقيقي.
الوفاء الحقيقي بعد الرحيل
واختتم آدم حديثه قائلاً: "التكنولوجيا مهما تقدمت لا تستطيع أن تعوض الفقد، بل قد تزرع وهماً يضاعف الألم. الطريق الأصيل هو مواجهة الغياب بشجاعة، وترك الذكريات كما هي: نقية وصادقة بلا إضافات أو تزييف".
هذا التريند الذي شارك فيه بعض الفنانين وأبناء المشاهير مثل نجل الفنان الراحل إبراهيم يسري، يظل موضع جدل بين من يراه تعبيرًا عن الشوق، ومن يحذر من تبعاته على الصحة النفسية واحترام حرمة الموت.
