الدلتا الجديدة : تنفيذ 85% من المسار الناقل للمياة لاستصلاح 2.2 مليون فدان بالصحراء الغربية
بعد سنوات عديدة عاشتها مصر في مفاوضات وتعثرات بسبب سد النهضة الاثيوبي (غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي ) الا ان مصر لم تقف مكتوفة الايدي بل كانت تتوقع ماسيتم من تصرفات احادية وغير منضبطة من الجانب الاثيوبي في ادارة السد وما قد يترتب عليه من تذبذبات في تدفقات المياة علي النيل الازرق وهذا ما حدث بالفعل الفترة الاخيرة ومن هنا بدأت مصر في مشروعها الاستراتيجي الاكبر في تاريخ مصر الحديثة في قلب الصحراء الغربية حيث يقع مشروع الدلتا الجديدة والذي يمتد من جنوب وادي النطرون وغرب وشرق منخفض القطارة حتى شمال الواحات، على مساحة تبلغ حوالي 2.2 مليون فدان.
ويعتبر مشروع الدلتا الجديدة جزءاً من استراتيجية مصر لتعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة ورفع كفاءة استخدامها، وذلك من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي حيث تعتمد مصر بشكل أساسي على مياه النيل في تلبية احتياجاتها المائية، ويزيد سد النهضة من مخاطر الاعتماد الكامل على مصدر واحد. لذلك، يعتمد مشروع الدلتا الجديدة على مصادر مياه متعددة وغير تقليدية لضمان استدامة الأمن المائي، مثل المياه الجوفية ومياه الصرف الزراعي المعالجة، بدلاً من الاعتماد الكلي على مياه النيل.
وتهدف مصر من خلال مشروع الدلتا الجديدة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل القمح، وبالتالي تقليل الاعتماد على استيراد الغذاء. وتأتي هذه الخطوة في إطار سعي مصر لتعزيز أمنها الغذائي في ظل التحديات المائية التي يفرضها سد النهضة.
فمنذ الساعات الأولى من صباح اليوم الذي عقد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعه الأخير مع وزير الموارد المائية والري والمسئولين التنفيذيين، بدا واضحًا أن الدولة المصرية تتجه نحو مرحلة جديدة من التوسع الزراعي غير المسبوق. كان الاجتماع نقطة انطلاق جديدة في سردية مشروع قومي ضخم هو مشروع "الدلتا الجديدة"، المشروع الذي أصبح حديث الخبراء والمهتمين بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة. وخلال هذا الاجتماع، استعرض الرئيس الموقف التنفيذي للمشروعات الزراعية الكبرى، موجهًا بضرورة الالتزام بالبرامج الزمنية وتوفير كل عوامل النجاح للمشروع الأكبر في تاريخ مصر الحديث وهو المشروع القومي للدلتا الجديدة.
تجدر الإشارة إلى أن الاجتماع استعرض الموقف التنفيذي للمسار الناقل لمياه الصرف الزراعي لمحطة الدلتا الجديدة، والذي يتكون من 12 محطة رفع ومسار بطول 166 كم، بنسبة تنفيذ وصلت إلى 85%.
وجه الرئيس السيسي بضرورة مواصلة العمل وفقاً للجداول الزمنية المحددة للانتهاء من الأعمال الجارية في المسار ومحطات الرفع الـ 12 التابعة له. ومن المتوقع الانتهاء من الأعمال الإنشائية وتشغيل المسار قريباً، خاصة وأن المشروع ككل (الدلتا الجديدة) يستهدف الانتهاء من مراحل رئيسية منه بحلول عام 2030.
وقد انتهت الحكومة المصرية بالفعل من المرحلة الأولى من مشروع الدلتا الجديد لزراعة مليون فدان عام 2025، وباكتمال عام 2030 سيكون المشروع جاهز للاستصلاح الزراعي ولتحقيق الهدف المرجو منه.
هذا المشروع يطمح لتحويل 2.2 مليون فدان من الصحراء القاحلة غرب دلتا النيل بين محافظات الإسكندرية والبحيرة والفيوم ومطروح إلى أراضي زراعية منتجة، بالإضافة لامتداده إلى حدود محافظات بني سويف والمنيا.
وتُظهر المتابعة الدقيقة ونسبة الإنجاز المرتفعة أن هناك خطة زمنية صارمة يتم العمل بموجبها لضمان دخول المسار الناقل الخدمة في أقرب وقت ممكن نظراً لأهميته الاستراتيجية في توفير المياه للمشروع الزراعي القومي.
يجمع المسار مياه الصرف الزراعي من المصارف المختلفة في منطقة غرب الدلتا، لنقلها إلى محطة المعالجة العملاقة بالحمام وبعد معالجة هذه المياه في محطة الدلتا الجديدة (محطة الحمام)، يتم إعادة استخدامها في زراعة مساحات شاسعة من الأراضي في إطار المشروع القومي لاستصلاح الأراضي بالصحراء الغربية، مما يساهم في زيادة الرقعة الزراعية في مصر بحوالي 25%.
يعتبر المشروع أحد أبرز محاور الجيل الثاني لمنظومة الري الحديثة في مصر، ويهدف إلى تعظيم الاستفادة من كل نقطة مياه متاحة وعدم إهدارها في البحر المتوسط. ويساهم توفير المياه المعالجة في زراعة محاصيل استراتيجية تدعم جهود الدولة المصرية في تحقيق الأمن الغذائي المستدام.
والمسار أو "الفرع الاصطناعي" أو القناة الصناعية التي تم تصميمها لنقل المياه عبر محطات رفع عملاقة، وتوصيلها لمساحات هائلة من الأراضي المستصلحة. يمتد هذا الفرع لمسافات طويلة، ويرتبط بشبكة من المواسير والقنوات الحديثة التي تم إنشاؤها وفق أعلى المعايير الهندسية. وقد مثّل هذا الفرع أحد أعقد مكونات المشروع، نظرًا إلى حجمه ودوره المحوري في توفير المياه اللازمة للري في منطقة صحراوية بالأساس.
يمتد مشروع الدلتا الجديدة على مساحة تبلغ نحو 2.2 مليون فدان، وهي مساحة تكفي لتغيير وجه الخريطة الزراعية المصرية بالكامل. ويأتي هذا المشروع ضمن خطة قومية تستهدف زيادة الرقعة الزراعية وتعزيز الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح والذرة والمحاصيل الزيتية. ولا يخفى على أحد أن الأمن الغذائي أصبح أحد أهم التحديات العالمية، وقد اتخذت مصر خطوات حاسمة لمواجهة هذا التحدي عبر مشروعات كبرى يأتي مشروع الدلتا الجديدة في مقدمتها.
لا يغطي المشروع الـ2.2 مليون فدان المعلنة فحسب، بل لديه إمكانية التوسع إلى 2.8 مليون فدان؛ مما يجعله أكبر مبادرة لاستصلاح الأراضي في البلاد. ويهدف المشروع إلى زيادة الأراضي المزروعة في مصر بنسبة تصل إلى 23%، وهو ما يعادل حوالي ربع المساحة الزراعية الحالية تقريبًا؛ مما يدعم الأمن الغذائي من خلال التركيز على زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، الذرة الصفراء، الخضروات، والفواكه المتنوعة.
ويعادل مشروع الدلتا الجديدة حجم أربع إلى خمس محافظات مصرية طبقًا لتصريح رئيس الوزراء المصري، ومن المتوقع أن يخلق حوالي 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. كما سيستوعب مشروع الدلتا الجديدة من 2.5 إلى 3 ملايين أسرة، وسيتم إنشاء منطقة صناعية ولوجستية كبيرة ضمن حدوده.
ولم يقتصر المشروع على استصلاح الأراضي فحسب، بل تضمن كذلك إنشاء شبكة متكاملة من الطرق، ومحطات الطاقة، ومحطات معالجة المياه، وشبكات الري الحديثة، ما جعله مشروعًا تنمويًا متكاملاً. وقد جرى تنفيذ العديد من هذه الأعمال على مراحل متتابعة، حيث تم الانتهاء من تجهيز آلاف الأفدنة بالفعل، وبدأت بعض المناطق في الإنتاج الفعلي، ما يعكس حجم الإنجاز الذي تحقق على الأرض.
أما التكلفة الاستثمارية للمشروع، فهي تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات، موزعة على مراحل التنفيذ المختلفة. وتشمل هذه التكلفة أعمال البنية التحتية، وإنشاء محطات الرفع، وتطوير شبكات الري، وتوفير الطاقة، إضافة إلى أعمال الاستصلاح والتجهيز الزراعي. وقد أكدت القيادة السياسية مرارًا أن الاستثمار في الزراعة ليس خيارًا، بل ضرورة لضمان مستقبل آمن غذائيًا ومائيًا واقتصاديًا.
وتعتبر مصادر المياه واحدة من أهم ركائز المشروع. حيث يعتمد مشروع الدلتا الجديدة على خليط من مصادر المياه لضمان الاستدامة وعدم الضغط على مياه النيل. وتشمل هذه المصادر المياه الجوفية، ومياه الصرف الزراعي المعالجة ثلاثيًا في محطات متطورة، إضافة إلى مياه ترعة الحمام التي تم تطويرها لضمان كفاءة نقل المياه إلى المشروع. هذا التنوع في مصادر المياه يوفر ضمانة قوية لاستمرار المشروع وعدم تأثره بتقلبات المناخ أو الموارد.
ومن المتوقع أن يكتمل المشروع على عدة مراحل خلال السنوات القليلة المقبلة، مع دخول مساحات جديدة إلى دائرة الإنتاج عامًا بعد عام. وقد جرى التخطيط لهذه المراحل بطريقة تضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من كل فدان يجري العمل عليه. ولا يقتصر تأثير المشروع على الإنتاج الزراعي فقط، بل يمتد ليشمل خلق فرص عمل ضخمة، إذ يوفر المشروع مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء في مراحل الإنشاء أو في مراحل التشغيل والإنتاج.
ويعتبر المشروع شراكة بين الدولة ممثلة في جهاز مستقبل مصر وعدد من شركات التطوير العقاري الكبرى ذات الخبرة الواسعة في هذا المجال التي تمثل القطاع الخاص. كما يشمل المشروع ثلاثة مجمعات سكنية بجانب الأراضي الزراعية، سيتم الانتهاء منها خلال خمس سنوات.
ويهدف المشروع إلى تحقيق أقصى كفاءة في استخدام المياه وزيادة الإنتاجية لكل وحدة مياه، مع إنشاء مجتمعات جديدة، وتمديد شبكات الطرق، وبناء محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء، وتشجيع حركة السكان من وادي النيل المكتظ إلى الأراضي الجديدة.
ويمثل المشروع كذلك خطوة مهمة نحو إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة في المنطقة الغربية، بما يشمله من مناطق صناعية تعتمد على الإنتاج الزراعي، ومناطق سكنية وخدمية صغيرة تخدم العمال والمهندسين والعاملين في المشروع. هذه المجتمعات الجديدة تعكس رؤية الدولة في إعادة توزيع السكان وتخفيف الضغط عن وادي النيل والدلتا.
ومع تقدم العمل، بدأت تظهر ملامح الإنجاز على الأرض، إذ بدأت المساحات الأولى من الأراضي المزروعة تعطي إنتاجًا مبشرًا، ما جعل الكثير من الخبراء يعتبرون المشروع نقلة نوعية في تاريخ التنمية الزراعية في مصر. وأكدت التقارير الرسمية أن المشروع يسير وفق الجدول الزمني المحدد، وأن ما تحقق حتى الآن يشكل قاعدة صلبة لاستكمال مراحل المشروع القادمة.
فمشروع الدلتا الجديدة ليس مجرد مشروع زراعي، بل هو مشروع دولة كاملة تسعى لإعادة تشكيل مستقبلها. إنه مشروع يهدف إلى حماية الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل، وزيادة الإنتاج المحلي، واستغلال الموارد الطبيعية بأفضل صورة ممكنة. وبفضل الرؤية الواضحة والدعم المستمر من القيادة السياسية، يتقدم المشروع بثبات نحو تحقيق أهدافه، ليكون أحد أهم إنجازات الجمهورية الجديدة.
ونهاية فمشروع الدلتا الجديدة يمثل أحد أكبر المشاريع الاستراتيجية التي تستهدف إعادة تشكيل الخريطة الزراعية في مصر، وخلق مجتمعات عمرانية وزراعية وصناعية جديدة، وتعزيز الأمن الغذائي وتوفير ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.



