الإخوان وإيران.. رسائل حرب تكشف عمق التحالف السري
في ذروة حرب الصيف بين إيران وإسرائيل عام 2025، ظهرت واحدة من أكثر الحقائق حساسية في تاريخ التنظيم الدولي للإخوان المسلمين: تحوّل الجماعة من موقع “الوسيط السياسي” المزعوم إلى ما يشبه الشريك العقدي لطهران. فبينما كان الشرق الأوسط يترقب مسار المواجهة العسكرية، كانت قيادة الإخوان بجبهتيها في لندن والمكتب العام تبعث برسائل دعم غير مسبوقة للمرشد الإيراني علي خامنئي، وتتبنى خطابًا يعكس تحالفًا استراتيجيًا عميقًا يتجاوز حدود المصالح السياسية إلى مستوى الاصطفاف العقائدي والعملياتي.
هذه اللحظة كشفت، بوضوح مُدهش، حجم التداخل بين مشروع الإخوان ومشروع إيران في المنطقة، وامتداد التعاون القديم بينهما إلى مستويات أخطر خلال العقد الأخير، من الدعم اللوجستي إلى الرسائل العلنية التي تضع الجماعة في خانة “الوكيل السياسي” لمحور طهران.
في تقرير منشور بسكاي نيوز، تناول الاقرير رسالة القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية صلاح عبد الحق إلى المرشد الإيراني علي خامنئي خلال حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران في صيف 2025، أعلن القائم بأعمال المرشد العام المؤقت، دعما صريحا لطهران، واصفا المواجهة بأنها محاولة لضرب “الحاضنة المشتركة للفصائل الفلسطينية المسلحة”، في إشارة واضحة إلى التحالف القديم الذي جمع بين الإخوان وإيران منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وذكر التقرير أنه لم يكن هذا الموقف وليد اللحظة. فوفقًا لما أورده يوسف ندا في مذكراته، وفّرت الجماعة دعمًا لوجستيًا حيويًا لإيران عقب أزمة الرهائن، حيث أسهمت في إيصال مواد مثل الصلب والقمح رغم المقاطعة البحرية الأمريكية. كما لعبت دورًا سريًا في دعم طهران خلال حرب الخليج الأولى عبر تنسيق إيصال معدات قتالية من دول غربية إلى إيران، في واحدة من أكثر العمليات حساسية التي بقيت طي الكتمان رغم معرفة أجهزة الاستخبارات الغربية بتفاصيلها.
ولا تتوقف سجلّات التعاون عند هذا الحد؛ فقد توسطت قيادات إخوانية بارزة، مثل يوسف ندا وغالب همت، بين طهران والجماعات المسلحة الكردية، فيما حاول إبراهيم صلاح القيادي التاريخي بالجماعة إطلاق مبادرة لوقف الحرب العراقية الإيرانية، غير أن هذه الجهود لم تُكلل بالنجاح.
ومع تطورات عام 2025، تكرّس الانحياز الإخواني لإيران بصورة علنية. فبعد حادث مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، بعث صلاح عبد الحق برقية عزاء رسمية إلى خامنئي، تلاها بيان آخر لتهنئة الرئيس الجديد مسعود بزشيكان. غير أن الصدمة الكبرى جاءت في 18 يونيو حين بعث عبد الحق رسالة دعم كاملة لطهران خلال الحرب، واصفًا الإخوان وإيران بأنهما “طرف واحد في مواجهة عدو واحد”، في إشارة إلى إسرائيل.
تزامن ذلك مع سلسلة بيانات أصدرتها الجماعة لإدانة الحرب ضد إيران، مطالبةً الدول العربية والإسلامية بالاصطفاف خلف طهران، ومعتبرةً أن إسرائيل تسعى لجرّ المنطقة إلى “حرب شاملة”.
أما جبهة المكتب العام تيار التغيير، فذهبت أبعد من ذلك بكثير. إذ أصدرت الأمانة العامة للجبهة سلسلة بيانات استخدمت فيها لغة راديكالية تتقاطع مع خطاب تنظيمات مثل داعش والقاعدة، ودعت بشكل مباشر إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد المصالح الأمريكية والغربية والإسرائيلية “ثأرًا لضربات تل أبيب ضد طهران وحلفائها”.
أحدث هذا التصعيد حالة غضب داخل قواعد الإخوان نفسها، إذ رأى كثيرون أن الجبهة تدفع الجماعة نحو مواجهة مع الغرب ستؤدي إلى نهايتها التنظيمية. وتحت ضغط السخط الداخلي، قامت الجبهة بحذف البيان الداعي إلى الهجمات الإرهابية، لكنها لم تستطع التراجع عن الصورة التي رسختها: جماعة إخوان تتماهى يومًا بعد يوم مع مليشيات محور طهران، وتتبنى خطابًا يضعها في قلب مشروع إيران الإقليمي.
وهكذا، لم تعد العلاقة بين إيران والإخوان ملفًا سريًا يتم تداوله في الكواليس، بل تحالفًا معلنًا تكشفه الرسائل الرسمية والبيانات العلنية. وفي ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، تبدو الجماعة وقد اختار تطوعًا أن تتحول إلى ذراع أيديولوجية لطهران، في أخطر اصطفاف تشهده منذ تأسيسها.





