موسكو: قرار أوروبا التخلي عن الغاز الروسي يسرّع تراجعها الاقتصادي
في تصريح يحمل نبرة تحذير واضحة، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن توجه الاتحاد الأوروبي نحو التخلي الكامل عن واردات الغاز الروسي سيقود القارة إلى فقدان جزء كبير من إمكاناتها الريادية في الاقتصاد العالمي، معتبرًا أن الاعتماد القسري على مصادر طاقة أعلى تكلفة سيحوّل أزمة الطاقة إلى عبء طويل المدى على الدول الأوروبية.
وجاءت تصريحات بيسكوف تعليقًا على إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن أوروبا ستتوقف نهائيًا عن الاعتماد على الغاز الروسي، في خطوة تراها بروكسل ضرورية لتأمين استقلال الطاقة. لكن موسكو ترى في هذا التحول انقلابًا اقتصاديًا ضد مصالح الاتحاد الأوروبي نفسه، خاصة أن البدائل المتاحة حتى الآن لا تزال مرتفعة التكلفة وتفتقر إلى الاستقرار.
وبحسب بيسكوف، فإن "أوروبا تُجبر نفسها على الاعتماد على مصادر طاقة باهظة الثمن، وهو ما سينعكس حتمًا على تنافسية اقتصادها"، مضيفًا أن هذه السياسات ستسرع من عملية التراجع الاقتصادي التي بدأت فعليًا في السنوات الأخيرة نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية وسلاسل التوريد.
اتفاق أوروبي لإنهاء واردات الغاز الروسي تدريجيًا
التصريحات الروسية تأتي بالتزامن مع إعلان المجلس والبرلمان الأوروبيين التوصل إلى اتفاق مؤقت يقضي بالتخلص التدريجي من الغاز الروسي، سواء الغاز المسال أو غاز الأنابيب، وفق جدول زمني صارم يمتد حتى عام 2027.
ووفق البيان الأوروبي، سيتم فرض:
* حظر كامل على واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي بنهاية 2026
* حظر شامل على غاز الأنابيب الروسي في خريف 2027
* وقف فوري لواردات الغاز الروسي بعد 6 أسابيع من دخول اللائحة حيز التنفيذ مع السماح بفترة انتقالية محدودة للعقود السارية
وتسعى بروكسل من خلال هذه الإجراءات إلى تقليل الاعتماد على روسيا وتعزيز أمن الطاقة، رغم أن العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي منذ عقود.
اللائحة الجديدة تلزم الدول الأعضاء بتقديم خطط تفصيلية لخفض اعتمادها على الغاز الروسي، وتوضيح البدائل التي يمكن اللجوء إليها، بما في ذلك:
* الغاز القادم من الولايات المتحدة
* خطط الربط الطاقي داخل أوروبا
* التوسع في مصادر الطاقة المتجددة
* زيادة تخزين الغاز خلال المواسم الحرجة
كما تعزز الاتفاقية دور المفوضية الأوروبية في مراقبة تنفيذ الدول للالتزامات الجديدة، إذ يجب إخطار المفوضية خلال شهر واحد من دخول اللائحة حيز التطبيق عن أي عقود قائمة مع شركات روسية.
رغم صرامة الخطة الأوروبية، احتفظ التشريع بما يعرف بـ"بند التعليق"، الذي يسمح بإيقاف اللائحة مؤقتًا إذا واجهت إحدى الدول الأعضاء أزمة مفاجئة تهدد أمنها الطاقي، وهي آلية وُصفت بأنها صمام أمان للاتحاد في مواجهة ظروف غير متوقعة.
بينما ترى أوروبا أن التخلي عن الغاز الروسي ضرورة استراتيجية، تؤكد موسكو أن هذه السياسات ستقود إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع تنافسية الشركات الأوروبية، وتعميق أزمة التضخم. ويأتي ذلك وسط سباق عالمي على مصادر الطاقة البديلة، وازدياد نفوذ الدول المصدرة للغاز المسال.
وفي سياق متوتر جيوسياسيًا واقتصاديًا، يبدو أن مستقبل العلاقة الطاقية بين روسيا وأوروبا يتجه إلى قطيعة حتمية، ستترك آثارًا طويلة المدى على الطرفين، وإن كانت موسكو ترى أن الكلفة الأكبر ستقع على الجانب الأوروبي.

.jpg)


.jpg)

