عمرو إسماعيل يكتب : كوميديا الإعلام الإثيوبي.. حين يسبق الخيال الوقائع
رغم أن الطلب الامريكي الاسرائيلي الذي مازال مجرد مقترح ولكن منصات إعلامية إثيوبية، مدعومة بحسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدثت عن مزاعم باقتراب قوات إثيوبية من حدود مصر، وربطت ذلك بسيناريوهات تتعلق بإمكانية إرسال قوات إثيوبية إلى قطاع غزة، في خطاب أقرب إلى الدعاية السياسية منه إلى التحليل القائم على الوقائع.
الخيال بدل الوقائع
لا يستند هذا الطرح إلى أي إطار قانوني أو سياسي معروف؛ فلا توجد قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، ولا توافقات إقليمية، ولا حتى إشارات رسمية من القوى الفاعلة في الملف الفلسطيني تسمح بطرح اسم إثيوبيا ضمن أي قوة محتملة في غزة. ومع ذلك، يجري الترويج لهذه السيناريوهات وكأنها حقائق قيد التنفيذ.
إثيوبيا وأزماتها المؤجلة
يتجاهل هذا الخطاب واقع الداخل الإثيوبي، المثقل بأزمات سياسية وأمنية واقتصادية متراكمة، تجعل من فكرة التوسع العسكري خارج الحدود مغامرة غير محسوبة العواقب. فالدول التي تكافح لتثبيت استقرارها الداخلي نادرًا ما تمتلك القدرة أو الشرعية لتصدير القوة إلى ساحات شديدة التعقيد.
خلط متعمّد للساحات
يحاول الإعلام الإثيوبي تسويق وجوده الإقليمي عبر الخلط بين ساحات مختلفة، مستشهدًا بتحركات في القرن الإفريقي، لإسقاطها على غزة. غير أن هذا الطرح يتجاهل حقيقة أن قطاع غزة لا يقع ضمن نطاق النفوذ الإفريقي، ولا يخضع لآليات الاتحاد الإفريقي، بل يمثل بؤرة صراع دولي تحكمها حسابات دقيقة، تكون فيها مصر لاعبًا محوريًا لا يمكن تجاوزه.
مقارنة مضلِّلة مع الوجود المصري في الصومال
يرتكز هذا الخطاب كذلك على مقارنة غير دقيقة بين الوجود المصري في الصومال، والحديث عن تواجد إثيوبي محتمل في غزة تحت شعار «المعاملة بالمثل».
فالوجود المصري في الصومال جاء بطلب رسمي من الحكومة الصومالية، ووفق اتفاقيات معلنة، وضمن تنسيق إقليمي ودولي واضح، ويهدف إلى دعم مؤسسات الدولة الصومالية وتعزيز قدراتها في مواجهة الإرهاب وحماية الاستقرار.
أما غزة، فلا تمثل دولة ذات سيادة تطلب دعمًا عسكريًا، ولا تعمل ضمن إطار إفريقي، بل تقع في قلب صراع دولي معقد، تُعد فيه مصر طرفًا أساسيًا بحكم الجغرافيا والدور السياسي والتاريخي، وهو ما يجعل أي محاولة لإسقاط نموذج الصومال على غزة مجرد مقارنة دعائية لا تصمد أمام الفحص السياسي.
مصر والأمن القومي
الإيحاء بأن القاهرة قد تُفاجأ بتحركات عسكرية قرب حدودها أو في محيطها الإقليمي يعكس فهمًا قاصرًا لطبيعة الدولة المصرية ومؤسساتها السيادية، التي تتعامل مع ملفات الأمن القومي بمنهج استباقي، وتملك من أدوات الرصد والتحليل ما يجعل عنصر المفاجأة جزءًا من الدعاية لا من الواقع.
ختاما
ما يُروَّج له تحت عنوان «الجيش الإثيوبي في غزة» لا يتجاوز كونه محاولة إعلامية لصناعة نفوذ وهمي عبر تضخيم الخيال وتغييب الوقائع. وفي لحظة إقليمية شديدة الحساسية، يصبح التمييز بين التحليل المسئول والكوميديا الإعلامية ضرورة، لأن السياسة تُبنى على الشرعية والوقائع، لا على المقارنات المضلِّلة ولا على عناوين تسبقها الخيالات.





