الخميس 25 ديسمبر 2025 | 03:44 م

بركات لـ "مصر الآن "الدولار يفقد بريقه وهو في مرحلة انتقالية بالنظام النقدي العالمي


 قال الدكتور وائل بركات الخبير الاقتصادي في تصريح خاص لموقع "مصر الآن "أن الدولار الأميركي يشهد واحدة من أكثر فتراته حساسية منذ سنوات، بعدما سجل مؤشر بلومبرغ الفوري للدولار أكبر موجة هبوط متواصلة منذ عام 2017، في حركة لم تصل – وفق تقديرات العديد من بيوت الخبرة العالمية – إلى نهايتها بعد. هذا التراجع لا يمكن قراءته كتحرك فني عابر في أسواق الصرف، بل يعكس تحوّلًا أعمق في ميزان القوى النقدية العالمية، وفي نظرة المستثمرين لمستقبل الاقتصاد الأميركي نفسه.

وأضاف بركات جوهر هذه الموجة الهابطة يرتبط أولًا بتغيّر التوقعات حول السياسة النقدية الأميركية. 
فبعد سنوات من التشديد القاسي ورفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية لمواجهة التضخم، بدأت الأسواق تقتنع بأن دورة الفائدة المرتفعة تقترب من نهايتها، وأن خفض الفائدة بات مسألة وقت لا أكثر. هذا التحول أضعف جاذبية الدولار كعملة عائد مرتفع، ودفع رؤوس الأموال إلى البحث عن بدائل في عملات وأسواق أخرى، خاصة مع ظهور مؤشرات تباطؤ في الاقتصاد الأميركي وسوق العمل، وتراجع زخم الاستهلاك مقارنة بذروة ما بعد الجائحة.

وأشار إلى أن العامل الثاني يتمثل في اتساع فجوة العجزين المالي والتجاري في الولايات المتحدة، حيث تعاني الموازنة العامة من ضغوط إنفاق مرتفعة في ظل دين عام قياسي، بينما لم يعد الدولار يتمتع بنفس القوة المطلقة التي كان عليها خلال فترات الاضطراب السابقة. ومع تحسن نسبي في أوضاع بعض الاقتصادات الكبرى خارج الولايات المتحدة، بدأت فكرة “الدولار القوي دائمًا” تفقد بريقها لدى المستثمرين العالميين، خاصة مع اتجاه بعض البنوك المركزية إلى تنويع احتياطاتها وتقليل الاعتماد النسبي على العملة الأميركية.

وقال الخبير الاقتصادي أنه عالميًا، يترجم ضعف الدولار إلى مكاسب واضحة لأسواق السلع والمعادن. فالذهب، الذي يتحرك غالبًا عكس اتجاه العملة الأميركية، وجد في هذا التراجع وقودًا إضافيًا للصعود، إلى جانب الفضة والنفط وبعض المعادن الصناعية. كما تستفيد الأسواق الناشئة من هذا المناخ، إذ يقل الضغط على عملاتها المحلية وتنخفض تكلفة خدمة الديون المقومة بالدولار، ما يمنحها هامش حركة أوسع في السياسات النقدية والمالية. في المقابل، تواجه الاقتصادات المتقدمة الأخرى تحديات مختلفة، إذ قد يؤدي ضعف الدولار إلى قوة نسبية في عملاتها، ما يضغط على تنافسية صادراتها إذا لم يقابله تحسن في الطلب العالمي.

وأوضح أنه إقليميًا، يكتسب هذا التحول أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط. فالدول المصدّرة للنفط تستفيد عادة من ضعف الدولار عبر ارتفاع أسعار الخام المقومة به، ما يعزز الإيرادات النفطية حتى في ظل استقرار الإنتاج. أما الدول غير النفطية، فيخفف تراجع الدولار نسبيًا من فاتورة الواردات الأساسية، ويقلل الضغط التضخمي المستورد، خاصة في الغذاء والطاقة. وفي الوقت نفسه، تظل هذه الدول حذرة، لأن أي ارتداد مفاجئ في الدولار قد يعيد الضغوط بسرعة إذا تغيرت المعطيات العالمية.

وأشار إلى أنه وفي حالة مصر تحديدًا، يحمل ضعف الدولار وجهين متناقضين. فمن ناحية، يخفف تراجعه عالميًا من الضغوط الخارجية على العملة المحلية، ويقلل تكلفة بعض الواردات الاستراتيجية، وهو ما قد ينعكس تدريجيًا على معدلات التضخم إذا استمر الاتجاه لفترة كافية. 
ومن ناحية أخرى، يبقى التأثير الفعلي مرتبطًا بعوامل داخلية مثل حجم الطلب على الدولار، وتدفقات الاستثمار الأجنبي، والسياسات النقدية والمالية المحلية. أي أن ضعف الدولار عالميًا لا يعني تلقائيًا قوة فورية للجنيه، لكنه يوفر بيئة خارجية أقل قسوة مقارنة بسنوات سابقة.

الخلاصة أن الهبوط الحالي للدولار ليس مجرد تصحيح قصير الأجل، بل تعبير عن مرحلة انتقالية في النظام النقدي العالمي، حيث تتراجع الهيمنة المطلقة للعملة الأميركية لصالح مشهد أكثر توازنًا وتعددًا. ورغم أن الدولار سيظل العملة الأكثر تأثيرًا في العالم، فإن الفترة المقبلة قد تشهد استمرار الضغوط عليه ما لم تظهر مفاجآت اقتصادية أو سياسية تعيد خلط الأوراق. وفي هذا السياق، تصبح متابعة حركة الدولار ضرورة لكل مواطن، لأنه المفتاح غير المرئي الذي يحدد اتجاه الأسعار، والاستثمارات، ومستوى المعيشة في العالم كله، من نيويورك إلى القاهرة.

استطلاع راى

هل تؤيد تقنين حضور المصورين للجنازات؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5780 جنيهًا
سعر الدولار 47.59 جنيهًا
سعر الريال 12.69 جنيهًا
Slider Image