قصة دخول يوسف الصديق إلى مصر بين النصوص الدينية والبحوث التاريخية
أثار الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، جدلًا واسعًا خلال ندوة بعنوان "أسرار الفراعنة" عُقدت بمبنى محاكاة قناة السويس بمحافظة الإسماعيلية، حيث صرّح بعدم وجود أدلة أثرية قاطعة تثبت وجود النبي يوسف عليه السلام في مصر.
في المقابل، أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، أن دخول يوسف الصديق إلى مصر موثق في الكتب السماوية. واستشهد بذكر مصر في القرآن الكريم، تحديدًا في الآية 99 من سورة يوسف: "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ". وأضاف أن إنكار هذه الواقعة يتناقض مع ذكر مصر 37 مرة في القرآن، أربع مرات منها بشكل صريح.
الأدلة من النصوص الدينية
أوضح الدكتور ريحان أن النصوص الدينية، بما فيها التوراة، تروي قصة يوسف الصديق الذي تربّى في مصر ووصل إلى مكانة رفيعة. وذكرت التوراة أن النبي يوسف أسكن عائلته في أرض "جاسان" شمال بلبيس، أو في نواحي الصالحية. ويشير الإصحاح 47 من سفر التكوين إلى منح يوسف لأسرته أرضًا خصبة من أراضي مصر.
الآراء التاريخية والمكتشفات الأثرية
أشار المؤرخ عبد الوهاب النجار إلى أن يوسف الصديق دخل مصر في عهد الأسرة السادسة عشرة. واستند إلى لوحة أثرية تحمل اسم "فوتي فارع"، الذي يُعتقد أنه نفسه "فوطيفار"، عزيز مصر المذكور في التوراة. كما أظهرت آثار الأسرة السابعة عشرة إشارات إلى سنوات القحط، بما يتماشى مع الرواية القرآنية والتوراتية.
من جهته، اعتبر الشيخ محمد متولي الشعراوي أن يوسف عاش في عصر حكم الهكسوس، حيث أشار القرآن إلى حاكم مصر بـ"الملك" بدلاً من "فرعون"، ما يتفق مع مصطلحات تلك الفترة.
شهادات المؤرخين
ذكر المؤرخ الروماني أفريكانوس أن النبي يعقوب وعائلته دخلوا مصر في السنة السابعة عشرة من حكم الملك "أبو فيس"، أحد ملوك الهكسوس. واستند أفريكانوس إلى كتابات المؤرخ المصري مانيتون، التي فُقدت لاحقًا. وأكد مؤرخون آخرون، مثل زينون كاسيدوفسكي، أن وصول آل يعقوب إلى مصر كان مرتبطًا بسيطرة الهكسوس على البلاد، حيث استُقبلوا بترحيب كبير بسبب صلاتهم المحتملة بالهكسوس.
الأسماء ودلالاتها
تناولت المصادر التاريخية اسم يوسف المصري "صفنات فعنيح"، الذي يعني "الإله يتكلم وهو يعيش"، وفق النصوص المصرية القديمة. وتشير التوراة إلى أن فرعون منحه هذا الاسم عند تعيينه في منصب رفيع، وزوّجه من أسناث ابنة كاهن أون (عين شمس).
الأدلة المادية
كشف الدكتور عبد العزيز صالح عن صوامع غلال بمدينة أون، يُرجَّح أنها الصوامع التي استخدمت لتخزين الغلال أثناء سنوات القحط، ما يعزز الروايات المتعلقة بالنبي يوسف.
بينما تُجمع النصوص الدينية وشهادات بعض المؤرخين على واقعة دخول يوسف الصديق إلى مصر، تبقى الأدلة الأثرية الحاسمة غير مكتشفة حتى الآن، ما يدفع الباحثين إلى مواصلة البحث في هذا الملف التاريخي.