أول قبطانة مصرية.. مروة السلحدار تروي رحلتها مع عالم البحار وتكشف عن طموحاتها المستقبلية
منذ بدء أنشطة التجارة البحرية في شتى بقاع العالم شرقًا وغربًا، لعبت الموانئ والملاحة البحرية دورًا محوريًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، حيث يتم نقل أكثر من 80% من تجارة السلع العالمية (من حيث الحجم) عبر الطرق البحرية. وهناك نسبة كبيرة ومتزايدة من هذا الحجم، تمثل نحو 35% من إجمالي الأحجام وأكثر من 60% من القيمة التجارية، يتم نقلها في حاويات. وتعد موانئ الحاويات نقاط ارتكاز أساسية في سلاسل الإمداد العالمية، وهي بالغة الأهمية لإستراتيجيات النمو في العديد من الاقتصادات الصاعدة.
وبالحديث عن مجال الملاحة البحرية في مصر والشرق الأوسط، كان لـ«مصر الآن» هذا الحوار مع القبطانة «مروة السلحدار» إحدى اللواتي اقتحمن المجالات المغلقة على الرجال؛ ليحررن المرأة من قيد العادات والتقاليد القابضة تحت ظلامية الفكر، فأضافت اسمها لقائمة النساء الأوائل في مجال الملاحة البحرية؛ لتصبح أول امرأة مصرية وعربية تخترق هذا المجال الذي احتكره الذكور لسنوات، وتصل إلى رتبة «الكابتن» في سن الـ 30 من عمرها.
تحدثت السلحدار خريجة الدفعة رقم 73 من الأكاديمية البحرية مع «مصر الآن» عن كواليس التحاقها بالأكاديمية والصعوبات التي واجهتها مع بداية دراستها فيها، وكيف تعايشت مع عالم البحار وتحديدًا مجال الملاحة البحرية.
كما تحدثت القبطانة المصرية، المولودة في مصر مطلع تسعينيات القرن الماضي، والتي توجهت عقب تخرجها من الأكاديمية البحرية عام 2012 وأثناء فترة عملها على متن السفن التجارية إلى دراسة تخصص إدارة الأعمال بجامعة كارديف متروپوليتان في ويلز، بالمملكة المتحدة، عن سبب دراستها لهذا التخصص بجانب عملها، وطموحاتها المستقبلية في المجال البحري، إضافة لعدد من الأسئلة الأخرى.
• «أول فترة مصرية وعربية تتخرج في الأكاديمية البحرية»
"فخورة كوني أول فتاة مصرية وعربية تتخرج في الأكاديمية البحرية".
«لقد كنت أول فتاة تتقدم بأوراقها للأكاديمية»، تقول «السلحدار» لـ«مصر الآن»: «التحقت فى بادئ الأمر بشعبة النقل الدولى بالأكاديمية البحرية٬ ولكنني قررت أن أنتقل إلى شعبة الملاحة البحرية، واجتزت جميع الاختبارات والكشف الطبي، واختبارات اللياقة البدنية التي يخضع لها كل من يود الالتحاق بهذا القسم وحصلت على "لائق" في جميع الاختبارات».
تضيف: «عقدت العزم منذ أولى خطواتي داخل الأكاديمية على الالتحاق بقسم الملاحة البحرية كونه شغفي الأول والذي يتناسب مع أهوائي الشخصية، الأمر لم يكن ميسورًا إطلاقًا في بداية الأمر، حيث أن الأكاديمية كانت تفرض على طلابها حتمية الإقامة بين جنباتها، وهنا خرجت من عباءة الاتكاء على الأهل إلى معايشة واقع جديد داخل سكن الأكاديمية، حقًا لقد كانت فترة شاقة بالنسبة لي ولكن وبفضل دعم أساتذتي وأصدقائي تأقلمت مع الوضع وتميزت في المجال».
ولكن ما دور الأسرة في قرار الالتحاق بالأكاديمية البحرية والذي يعد مجالًا ذكوريًا حسب وجهة نظر الكثيرين؟
"لقد حذيت بكل الدعم والتشجيع من الأسرة على قراري هذا، مع أن والدى كان معارضًا للفكرة في البداية، نظرًا لكونى ابنته الوحيدة، لكن بعد ذلك تركنى لأتخذ قرارى بنفسى، كما عودنا منذ الصغر".
«بعد الالتحاق بقسم الملاحة البحرية والتخرج منه عام 2012»– تؤكد «السلحدار»: « بعد التخرج عانيت لفترة طويلة من صعوبة إيجاد فرصة عمل جيدة في إحدى الشركات الكبرى في مجال الملاحة البحرية في وقت كان السائد فيه عمل الذكور فقط في هذا المجال، ولحسن الحظ وبكرم من الله وتوفيقه حصلت على فرصة عمل تتناسب مع طموحاتي وعملت على متن العديد من السفن التجارية، ومع مرور الوقت تشبعت بخبرة كبيرة في هذا المجال، وعملت بعدها على مركب "عايدة 4"، وتدرجت في المراتب بداية من رتبة "ضابط ثاني بحري" مرورًا إلى "ضابط أول بحري" وصولًا إلى "كابتن"».
• «تساؤلات حول صعوبة المجال البحري وعن سبب دراسة إدارة الأعمال»
"ما الذي جاء بي إلى هنا، وكيف سأتعامل مع هذا الوضع؟"
«وعن هذه التساؤلات» تشير «السلحدار»: «كنت أستمتع بهذه الأسئلة مع الذات؛ لإيجاد إجابات، وكان هناك صوت بداخلي يردد دائمًا.. "يجب أن تثبتي للجميع أنك كامرأة على متن السفينة قادرة على الحفاظ على أرواحهم وإنجاز المهام بإتقان واحترام قواعدهم الصارمة"».
توضح لـ«مصر الآن»: «عندما بدأت العمل كنا نبحر لأشهر على متن سفن لا يوجد بها سوى الرجال، ولم يكن لدي من أشاركه مشاعري أو ما أفكر به، بل وكان الشعور بالوحدة يطاردني، ولكنني قررت أن أغلق الباب في وجه هذا الشعور، وبدأت فى الاستماع إلى قصص وحكايات البحارين وإنجازاتهم فى الحياة، وأخذ كل منا يقص على الآخر مشكلاته ويجاهد كل منا لحلها، لقد بات طاقم السفينة بمثابة عائلتي الثانية داخل أعماق البحار».
ولكن بالحديث عن روح على الود والمحبة على متن السفن وطقامها فهل إعطاء الأوامر على السفينة أمر مخصص فقط للرجال أم كل حسب رتبته لا فرق أكان رجل أو مرأة؟
"الجميع لديهم خبرات كبيرة في عالم البحر، ولذلك مهما كانت الرتب فالاحترام متبادل بين الجميع، بل ونسعى إلى تبادل الخبرات، واحترام القوانين، وللتوضيح أكثر فلكل رحلة ميثاق وتعليمات معينة يتم الوقوف عليها ما قبل الانطلاق، ولكل وردية على السفينة شخص محدد يكون مسؤولًا عن توجيه وإعطاء الأوامر للطاقم بأكمله بغض النظر عن رتبته".
وعن سر تميز «السلحدار» في المجال البحري ودراسة إدارة الأعمال تقول لـ«مصر الآن»: «التميز وجذب الإشادات في هذا المجال تتطلب مني مجهودًا كبيرًا ومواكبة لكافة التطورات التي تطرأ عليه يوميًا من خلال عمل دبلومات ودراسات بشكل دوري يعزز من قدراتي، والتدرج الوظيفي في الرتب على السفينة يُحتم علينا تحقيق 18 شهرًا من الرحلات البحرية».
تضيف: «كنت دائمًا أحرص على تكريس مجوهداتي؛ لتحصيل كل ما هو جديد حول عالم الملاحة البحرية، ودرست إدارة الأعمال أثناء فترة عملي على متن السفن التجارية؛ لكونه مجالًا لا يتجزأ من طبيعة عملي البحري سواء أكان بحرًا على متن السفن وكيف إدارتها بشكل متميز، أو برًا من خلال العمل في الموانئ وشركات النقل والتوغل في معرفة طبيعة العمل فيهم والعمليات التي تقوم بها هذه الشركات في خدمة مجال التجارة والنقل البحري».
• «إشاعة التسبب في جنوح سفينة بقناة السويس»
في مارس 2021، تعرضت القبطانة «مروة السلحدار» لحملة تشويه ممنهجة، حين دخلت واقعة جنوح حاوية "إيڤر گيڤن"
بالممر الملاحى لقناة السويس، من مجرد واقعة واردة الحدوث فى أى مكان بالعالم إلى مادة دسمة لترويج الشائعات يتلقفها رواد السوشيال، حتى وصل الامر إلى إنشاء حسابات وهمية على مواقع التاصل الاجتماعى واتهام السلحدار بأنها المتسببة في هذا الجنوح الذي حل بالسفينة آنذاك.
وعن هذه الواقعة تقول «السلحدار» لـ«مصر الآن»: «كل ما أثير من لغط وقيل وقال على منصات التواصل الاجتماعي في هذه المسألة يرجع إلى عدم وعي فئة كبيرة من عوام الناس عن الإجراءات المتبعة لدخول قناة السويس أو أي ممر مائي آخر؛ أو بسبب قلة معلوماتهم حول مجال النقل البحري بشكل عام، فلقد كانت أعمل على سفينة عايدة 4، وهي سفينة تابعة لهيئة السلامة البحرية وتابعة للحكومة المصرية وتديرها الأكاديمية البحرية، وليس لها علاقة بالسفينة الجانحة، ومن أسباب زيادة حملات الهجوم ضدي أيضًا من قبل بعض رواد السوشيال ميديا كان بسبب أنني امرأة وهو أمر لم يكن شائعًا لدي الكثيرين ممن ظنوا أن المجال البحري حكرًا على الذكور فقط».
تكمل ضاحكة: «رب ضارة النافعة، فأظن أن هذه الشائعة كانت سببًا في تعرف الناس عليّ، ومعرفة أن المجال البحري يعمل به إناث أيضًا ممن هن قادرات على تحمل المسؤوليات الصعبة».
• «طموحات مستقبلية بإنشاء شركة لخدمة المجال البحري»
"طموحاتي ليس لها حدود" تقول «السلحدار» والتي اختارتها موسوعة «التكامل الاقتصادى العربى الأفريقي» ضمن أفضل 20 امرأة عربية إنجازًا لـ«مصر الآن»: «لقد عملت لسنوات عديدة في المجال الأكاديمي من نحاية، وعلى متن السفن التجارية بمختلف أنواعها من ناحية أخرى، وأحلم خلال الفترة المقبلة إلى إنشاء شركة خاصة لي لخدمة المجال البحري بشكل كامل ومواكبة التطور العالمي في هذه المجال سواء من الناحية المتعلقة بكيفية إدارة شركات الملاحة البحرية، أو الموانئ من ناحية أخرى، ومعرفة طرق عملهم والعمليات الميدانية التي ينجزونها، إضافة إلى العمل على تطوير البنية التحتية عالية الجودة للموانئ؛ لكي تعمل بكفاءة، متسلحة بالخبرة والعلم والذي أسعى على المضي قدمًا في تحصيله وعدم الوقوف عند حد معين من المعرفة».
تردف: «ووجب العلم إلى أن قصور أداء الميناء أو عدم كفاءته، أو عدم مواكبة شركات الملاحة والنقل البحري للتغيرات والتطورات التي تتجدد على المجال باستمرار يمكن أن يعوق من حركة نمو التجارة والنقل البحري، فيجب التأكد من كفاءة، وتوافر الغاطس، والأرصفة، وأحواض الرسو، إضافة إلى معرفة حال السفن التجارية ومتعلقاتها والوصول بها إلى أفضل حالة».
ومع نهاية حديثها مع «مصر الآن» تفتخر «السلحدار» بأنها كانت سببًا في انجذاب كثير من الفتيات نحو العمل في المجال البحري وأكدت أنهن لا يجب أبدًا مهما حدث أن يتوقفن عن السعي؛ لتحقيق أحلامهن، ولا يجب أن يفقدن إيمانهن بأنفسهن، ويجب أن يفعلوا أفضل ما لديهن للتغلب على أي تحدي يواجهونه.