المصالحة مع الإخوان.. وهم قاتل يعيد إنتاج الغدر والدم بأيد ممدودة وسكين مسموم
منذ سقوط حكم جماعة الإخوان الإرهابية في مصر عام 2013، لم تنقطع أصوات بين الحين والآخر تدعو إلى ما يسمى "المصالحة" مع هذه الجماعة التي لطخت يديها بدماء المصريين، لكن التاريخ القريب والبعيد يثبت أن أي محاولة للتصالح مع الإخوان لم تكن سوى استراحة محارب يستغلونها لإعادة تنظيم صفوفهم والانقضاض على الدولة.
المتخصصون في شؤون الحركات الإرهابية يجمعون على أن الجماعة لم تتخل قط عن مشروعها السري العنيف، حتى وهي ترفع شعار "المشاركة لا المغالبة"، لذلك، فإن الحديث عن مصالحة ليس إلا فخا يعيد إنتاج سيناريو الغدر القديم الذي مارسته الجماعة مع الرئيس الراحل أنور السادات، ومع غيره ممن وثقوا في وعودها.
**الغدر الإخواني.. ذاكرة لا تُمحى
منذ تأسيسها عام 1928، عاشت جماعة الإخوان على قاعدة واحدة المتمثلة في "التقية السياسية"، فهي تُظهر وجهًا إصلاحيا سلميا عند الحاجة، لكنها تخفي تحت عباءتها مشروعا دمويا يقوم على الاغتيالات والتمكين.
ففي عهد الملك فاروق، أعلنت الجماعة الولاء للعرش، لكنها أنشأت "التنظيم الخاص" بقيادة عبد الرحمن السندي الذي اغتال القضاة ورجال الشرطة، ومحمود النقراشي رئيس وزراء مصر.
ومع الرئيس ااراحل جمال عبد الناصر، دخلت في حوار "التفاهم" ثم سرعان ما انقلبت عليه عبر محاولة اغتياله في المنشية عام 1954.
ومع الرئيس السادات، فتحت لهم أبواب السجون وأفسح لهم مجال الدعوة، لكنهم ردوا باغتياله في المنصة عام 1981.
ومع الرئيس الأسبق حسني مبارك، حاولوا تقديم أنفسهم كمعارضة سلمية، لكنهم زرعوا رجالهم في النقابات والجامعات، وظلوا يتآمرون سرًا.
وعندما وصلوا للحكم عام 2012 مع محمد مرسي، كشفوا عن وجههم الحقيقي عبر الاستحواذ على مؤسسات الدولة، وإقصاء الجميع، وفتح الأبواب لتحالفات مشبوهة مع قوى إقليمية مثل قطر وتركيا. ثم، حين ثار الشعب ضدهم في 30 يونيو 2013، لجأوا إلى الإرهاب المباشر عبر اعتصام رابعة، وحوادث تفجير الكنائس والكمائن.
**تجربة السادات.. عندما فتح الباب للغدر
بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، جاء أنور السادات إلى الحكم وهو يرفع شعار "الرئيس المؤمن"، راغبًا في أن يضع بصمته الخاصة بعيدًا عن إرث الحقبة الناصرية. وفي إطار ما عُرف وقتها بـ"ثورة التصحيح" في 15 مايو 1971، اتخذ قرارًا استراتيجيًا بالإفراج عن قيادات الإخوان وكوادرهم الذين كانوا يقبعون في السجون منذ صدامهم مع ناصر وتنظيم سيد قطب الدموي عام 1965.
القرار لم يقتصر على الإفراج، بل شمل أيضا إعادتهم إلى وظائفهم بدعم مباشر من شخصيات مقربة من السادات، مثل المهندس حسب الله الكفراوي والوزير المقاول عثمان أحمد عثمان.
ويقول الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة طارق البشبيشي: "لقد أعاد السادات الإخوان إلى وظائفهم وفتح لهم أبواب شركات عثمان أحمد عثمان حتى يضمن لهم دخلا ثابتا، وكل ذلك تم تحت إشرافه وموافقته، لكنه فوجئ بأن هذه الجماعة لا تعرف معنى الوفاء أو التعايش، فكان جزاؤه الغدر والمؤامرات".
** المؤامرة في بيت زينب الغزالي
لم تمض سوى شهور قليلة على قرار الإفراج حتى بدأت قيادات الجماعة في الإعداد لمخطط جديد. ففي أواخر عام 1972، رتبت زينب الغزالي لقاءً في منزلها جمع بين القيادي الإخواني الفلسطيني صالح سرية والشاب المصري طلال الأنصاري وكان في كلية هندسة.
ويضيف البشبيشي موضحًا: "بعد عام واحد فقط من خروجهم من السجون، رتبت زينب الغزالي لقاءً بين صالح سرية وطلال الأنصاري، وتم الاتفاق على إعادة بناء التنظيم المسلح بهدف الانقلاب على السادات، بل إن حسن الهضيبي بارك الخطوة، وطلب منهم إنكار أي صلة بالإخوان لو تم القبض عليهم، مؤكداً أن محامي الجماعة سيتولون الدفاع عنهم وسيُطلقون حملات تعاطف معهم".
** حادثة الفنية العسكرية.. الوجه الدموي للمصالحة
في يوم 18 أبريل 1974، حاول التنظيم الذي أسسه صالح سرية السيطرة على الكلية الفنية العسكرية، ثم التوجه بعدها للاستيلاء على القصر الجمهوري وإعلان "دولة الإخوان".
لكن المحاولة باءت بالفشل، وأُعدم صالح سرية، وسُجن طلال الأنصاري 25 عاماً. وعندما خرج كتب كتابه الشهير الذي اعترف فيه بكل تفاصيل العلاقة بين الإخوان والحادثة.
ويعلق البشبيشي: "حادثة الفنية العسكرية تكشف بوضوح كيف قابل الإخوان مبادرة السادات بالمصالحة، إذ خانوه بعد 3 سنوات فقط من الإفراج عنهم. وهذا هو دأبهم مع كل من يفتح لهم الباب".
**من محاولة انقلاب إلى اغتيال رئيس
لم تتوقف مؤامرات الإخوان بعد فشل الفنية العسكرية. بل ظل التنظيم يعمل في الظل، ويعيد بناء خلاياه، حتى جاءت لحظة الاغتيال الكبرى في 6 أكتوبر 1981، عندما قُتل السادات على يد خالد الإسلامبولي ورفاقه المتأثرين بالفكر الإخواني القطبي.
السادات نفسه اعترف في مجلس الشعب قبل اغتياله بأنه ارتكب خطأ فادحًا حين وثق في الجماعة، قائلاً إنهم خانوه بعد أن أكرمهم.
**التاريخ يعيد نفسه.. بيانات المصالحة اليوم
اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود على تجربة السادات، تعود الجماعة لترويج نفس الوهم، فقياداتها الهاربة في إسطنبول والدوحة يطلقون بين الحين والآخر بيانات ومبادرات باسم "المصالحة".
يؤكد الباحث في شؤون التنظيمات التكفيرية إسلام الكتاتني: "من يروجون للمصالحة مع الإخوان يريدون خراب مصر. فالجماعة تسعى فقط إلى إعادة التموضع، والبيانات الأخيرة مثل بيان محمد عماد صابر، أو تصريحات محمود حسين في جبهة إسطنبول، ما هي إلا مناورة تكتيكية للحفاظ على ما تبقى من التنظيم وإيجاد موطئ قدم جديد في الداخل".
** المصالحة كأداة لإعادة بناء التنظيم
منذ نشأتها، لم تفصل جماعة الإخوان بين الجانب الدعوي والسياسي والعسكري، بل اعتمدت على فكرة المراحل، حيث تستخدم أوقات الضعف لرفع شعار السلمية والانفتاح، وأوقات القوة لإحياء مشروع التمكين.
ويقول الكتاتني: الجماعة لا تريد استقرارًا لمصر، هي فقط تحاول خداع الرأي العام والدولة كي تعود للعمل السري. لذلك فإن أي مصالحة معها ليست سوى استراحة قصيرة تستغلها لتجهيز مؤامرة أكبر.
**لماذا يرفض المصريون المصالحة؟
الشعب المصري الذي دفع ثمنا غاليا من دماء أبنائه في مواجهة الإرهاب، لا يمكن أن ينسى جرائم الجماعة من العنف المسلح في السبعينيات والثمانينيات، إلى الإرهاب الأسود بعد 2013.
المصالحة مع جماعة بهذا التاريخ ليست خيارا واقعيا، بل خيانة لدماء الشهداء، فالجماعة التي خانت السادات نفسه، لن تتردد في خيانة أي طرف يفتح لها الأبواب اليوم.
**لا مصالحة مع الغدر
المصالحة مع الإخوان ليست سوى "وهم قاتل" يعيد إنتاج مسلسل الغدر والدم، فمن السادات إلى بيانات إسطنبول، ولندن اليوم، تظل القاعدة ثابتة، وهي أن الإخوان يغدرون بكل من يصالحهم.
المصالحة مع الإخوان ليست سوى فخ جديد، يروجه قادة مأزومون مثل محمد عماد صابر ومحمود حسين، ويسوق له بعض الإعلام الغربي، لكنه في حقيقته وصفة للخراب، ف الغدر جزء من جينات الجماعة، وأن أي محاولة لإعادة دمجها تعني فتح الباب مجددا للعنف، فالمصالحة معهم طريق سريع للخراب.

