النقب.. مقبرة الأحياء التي تئن تحت صمت الصحراء

في عمق صحراء النقب، حيث تمتدّ الرمال كأنها تُخفي أسرار العذاب، يقبع مئات الأسرى الفلسطينيين في واحد من أقسى سجون الاحتلال الإسرائيلي، سجن النقب، الذي تحوّل إلى ما يشبه مقبرةً للأحياء، تعجّ بالوجع والإهمال المتعمّد.

تقول هيئة شؤون الأسرى إن السجن يضجّ بأنين الجوع ونقص الطعام، إذ تقلّصت كميات الوجبات المقدّمة للأسـرى إلى الحدّ الذي لا يسدّ رمقًا ولا يطفئ جوعًا. وفي أروقة الزنازين، تتردّد صرخات من أصيبوا بمرض "السكايبوس"، ذلك الداء الغريب الذي تسلل إلى أجسادهم الهزيلة بفعل سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية.

ولم يقف الأمر عند حدود الجوع والمرض، بل تجاوز إلى إذلالٍ يوميٍّ في أدق تفاصيل الحياة. فالأسير لا يملك سوى لباسٍ واحدٍ يواجه به صقيع الليل وحرّ النهار، وكأن الاحتلال أراد أن يسلبه حتى حقّه في الستر.

أما العزلة، فهي السلاح الأشد قسوة. فقد فُصل الأسرى عن ذويهم كما تُقطع الشجرة عن جذورها؛ لا رسائل، لا زيارات، ولا صوت يربطهم بالعالم الخارجي. يعيشون في زمنٍ آخر، تحكمه الأسلاك الشائكة وأوامر السجّانين، حيث تُدفن الآمال كما تُدفن الحجارة تحت رمال النقب.

هناك، في تلك الصحراء الصامتة، لا تُسمع سوى أنفاس المقاومة وهي تصارع البقاء،فكل وجعٍ في النقب هو شهادة جديدة على قسوة الاحتلال، وكل أسير هناك هو رواية مؤجلة عن الحرية.