«أسيوط على صفيح ساخن».. انتخابات الإعادة في «ديروط والقوصية ومنفلوط» تشعل حرب العائلات والأحزاب في المراكز الثلاثة
قبل أسبوعين من جولة الإعادة في الدائرة الثانية بمحافظة أسيوط، التي تضم مراكز ديروط والقوصية ومنفلوط، تتحول الدائرة إلى واحدة من أكثر الدوائر سخونة في صعيد مصر، في ظل دخول 8 مرشحين في معركة يتشابك فيها القبلي بالحزبي، والمحلي بالأيديولوجي، والمستقلين بالنفوذ التقليدي للعائلات.
جولة الإعادة المقررة في الأول من ديسمبر لا تبدو مجرد استكمال لسباق انتخابي تقليدي، بل هي اختبار شامل لشبكات النفوذ والولاءات الممتدة داخل واحدة من أكبر دوائر الصعيد مساحة وكثافة سكانية، وأكثرها تعقيدًا في التكوين الاجتماعي والسياسي.
فرضت الجولة الأولى واقعًا جديدًا، إذ استطاع 8 مرشحين فقط تجاوز حاجز الأصوات المؤهلة للإعادة، أربعة من حزبي مستقبل وطن وحماة الوطن، وأربعة مرشحين مستقلين، وسط تقارب كبير في النتائج، وهو ما جعل الدائرة تدخل مرحلة «الصفر الانتخابي» من جديد، حيث لا يُضمن لأي مرشح تفوق واضح.
وبحسب النتائج الرسمية، تصدر المشهد مرشحو حزب مستقبل وطن، مع حضور قوي لمرشحين مستقلين أصحاب قواعد قبلية مؤثرة، ليبدأ سباق إعادة يتداخل فيه وزن العائلات مع شبكة الأحزاب.
يرى مراقبون أن معيار «ابن البلد» سيشكل حجر الزاوية في إعادة تشكيل خريطة الأصوات، خاصة مع تباين أوزان المراكز الثلاثة داخل الدائرة.
ففي القوصية، التي تعد أحد أكبر مراكز أسيوط من حيث الكتل التصويتية، نجح أربعة مرشحين في الجولة الأولى هم إبراهيم نظير، وعصام سمير، وراشد أبو العيون، وحمادة أبو سيف
هذا الحضور القوي من القوصية يمنح أبناء المركز قاعدة انتخابية ضخمة، مع توقعات بزيادة التصويت لصالح مرشحي المركز في الجولة الثانية، على حساب مرشحي ديروط ومنفلوط.
أما ديروط، فأفرزت بدورها ثلاثة مرشحين إلى الإعادة، هم: اللواء يونس الجاحر، واللواء محمود قرشي، ومحمد عيد، بينما جاءت منفلوط بمرشح واحد فقط هو حمادة عبد العواض.
ورغم أن القوصية تتقدم عدديًا، فإن ديروط تمتلك كتلة تصويتية متماسكة قبليًا، عادة ما تصوّت بصورة شبه موحدة في الإعادة، ما يجعل المعركة داخل المركز الواحد لا تقل حدة عن المعركة بين المراكز المختلفة.
أبرز ما ميز الجولة الأولى هو صعود مرشحي حزب مستقبل وطن إلى صدارة الأصوات، حيث جاء إبراهيم نظير (القوصية) في المركز الأول بنحو 142 ألف صوت، متصدرًا الدائرة بأكملها، واللواء يونس الجاحر (ديروط) في المركز الثاني بنحو 139 ألف صوت، ومحمد عيد (ديروط) بنحو 127 ألف صوت، كما جاء راشد أبو العيون، ممثلا عن حزب حماة الوطن في المركز الخامس بـ 115 ألف صوت.
هذه النتائج تعكس قدرة الحزبين على الحشد والانتشار داخل الدائرة، خاصة في القرى الكبرى ذات الكتلة التصويتية المؤثرة.
إلا أن الإعادة قد تشهد تقلبات مفاجئة، إذ عادة ما تخرج أصوات جديدة لم تشارك في الجولة الأولى، إلى جانب تحالفات انتخابية قد تصب في اتجاهات مغايرة.
تبرز الكتلة القبطية داخل الدائرة بوصفها أحد أهم العوامل المؤثرة في الإعادة، فالمراكز الثلاثة—القوصية وديروط ومنفلوط—تضم نسبًا متقاربة من المواطنين المسيحيين، مما يضيف ورقة ضغط انتخابية لصالح من يستطيع إدارة هذه الكتلة باحتراف.
وفي هذا السياق، يأتي المرشح عضام سمير (مستقل)، الحاصل على 121 ألف صوت في الجولة الأولى، والذي يعتمد على ثقل التصويت القبطي، ما يجعله واحدًا من الأسماء القادرة على قلب المعادلة إذا حدث انحياز واضح لصالحه.
مع اقتراب موعد الإعادة، بدأت الدائرة تشهد تحركات مكثفة للمرشحين، تشمل إعادة تشكيل التحالفات العائلية والقبلية، وزيارات ميدانية في القرى الكبرى، وتواصل مباشر مع قيادات العائلات في المراكز الثلاثة، وتفعيل ماكينة الحشد الحزبي، خصوصًا من جانب مستقبل وطن، محاولات لكسب أصوات الكتل المسيحية في الكنائس بالمراكز الثلاثة.
ويرجح متابعون أن تشهد الأيام المقبلة حرب بيانات انتخابية بين المرشحين، وتنافسًا على حشد الأصوات «الساكنة» التي لم تشارك في الجولة الأولى، وهو عامل قد يرجح كفة أيٍّ منهم.
لا تبدو الخريطة واضحة حتى اللحظة، إلا أن السيناريوهات الأكثر تداولًا بين المراقبين تشير إلى:
أولا: تفوق محتمل لثلاثة من مرشحي مستقبل وطن بحكم تقدمهم في الجولة الأولى مع تقدم لمرشح حزب حماة الوطن راشد أبو العيون ليحل في المركز الرابع، ما لم تحدث تحالفات ضدهم.
ثانيا: تحسن فرص المستقلين إذا نجحوا في جذب أصوات المراكز الأخرى وتحييد تأثير العائلات المنافسة.
ثالثا: كتلة القوصية قد تمنح اثنين من مرشحيها تفوقًا كبيرًا، خاصة مع وجود أربعة مرشحين من المركز.
رايعا: الأصوات المسيحية قد ترجّح كفة دكتور عصام سمير إذا نجح في خلق تحالفات عابرة لمسقط رأسه بالقوصية.
لكنّ القاعدة الأكثر رسوخًا في السياسة الانتخابية بأسيوط تظل ثابتة: "لا شيء يحسم قبل الصناديق".
تدخل دائرة ديروط–القوصية–منفلوط مرحلة أكثر حساسية من سباق طويل، تتقاطع فيه القبيلة بالحزب، والمركز الجغرافي بنفوذ المرشحين، وتعكس خريطة أصواتها طبيعة المنافسة السياسية في الصعيد بكل تعقيداتها وامتدادها التاريخي.
تيبقى الأسئلة مفتوحة حتى جولة الحسم:
من سيستطيع تفكيك معادلة المراكز الثلاثة؟
ومن ينجح في جمع ما فرّقته القبائل والأحزاب؟
الإجابة تأتي فقط في ديسمبر المقبل.



