الاثنين 15 ديسمبر 2025 | 02:54 م

عزام لـ "مصر الان":اليمن على شفا الانقسام متسائلا هل تعود خريطة 1990 مجددا


 في تصريح لموقع "مصر الان" قال الكاتب الصحفي حسن عزام الخبير في الشأن العربي أن اليمن يقف اليوم على مفترق طرق حرج يثير تساؤلات عميقة حول مستقبله السياسي والجغرافي، في ظل تطورات ميدانية متسارعة تدفع بقوة نحو إعادة رسم خريطة النفوذ داخل البلاد. التطورات العسكرية التي شهدتها الأيام الأخيرة من ديسمبر 2025، حين أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة، بما في ذلك حقول نفطية استراتيجية وموانئ حيوية، أعادت إلى الواجهة سؤالاً قديماً ظل يلاحق اليمن منذ عقود: هل يتجه البلد فعلاً نحو العودة إلى ما كان عليه قبل 22 مايو 1990، حين كان منقسماً بين شمال وجنوب؟

وأضاف عزام أنه عندما أُعلنت الوحدة اليمنية في عام 1990، كانت تمثل حلماً طال انتظاره لشعب ظل مقسماً لعقود بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، ذات النظام الرأسمالي والتوجه القبلي، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب، ذات التوجه الاشتراكي والمؤسسات الحديثة نسبياً. جاء الاتفاق بين الرئيس علي عبد الله صالح في الشمال وعلي سالم البيض في الجنوب ليفتح صفحة جديدة، لكن هذه الصفحة سرعان ما تلطخت بالدماء والخلافات العميقة. فبعد أربع سنوات فقط من الوحدة، وتحديداً في صيف 1994، اندلعت حرب أهلية دامية استمرت 64 يوماً، عُرفت بـ"حرب الانفصال"، حين حاول الجنوب استعادة استقلاله، لكن القوات الشمالية بقيادة صالح حسمت المعركة عسكرياً، وأُعيد فرض الوحدة بقوة السلاح .

منذ ذلك الحين، لم تُغلق جروح 1994 أبداً. بقيت مشاعر الظلم والإقصاء حية في الجنوب، حيث شعر كثيرون بأن الوحدة تحولت إلى احتلال عسكري، وأن ثرواتهم نُهبت، ومؤسساتهم دُمرت، وقياداتهم أُقصيت. ومع اندلاع ما يُعرف بـ"الربيع العربي" في 2011، تصاعدت الاحتجاجات ضد نظام علي عبد الله صالح، وبرزت في الجنوب حركة شعبية واسعة تُعرف بـ"الحراك الجنوبي"، تطالب بإعادة الدولة الجنوبية واستعادة السيادة على أراضي ما قبل 1990. لكن الأمور تعقدت أكثر مع صعود جماعة أنصار الله "الحوثيين" التي سيطرت على صنعاء في سبتمبر 2014، مما دفع بالبلاد إلى حرب أهلية جديدة لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.

وأشار إلى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في مارس 2015 لدعم الحكومة المعترف بها دولياً ضد الحوثيين، لكن هذا التدخل لم يُعد الاستقرار، بل عمّق الانقسامات. فالسعودية والإمارات، رغم انضوائهما تحت مظلة تحالف واحد، كان لكل منهما أجندته الخاصة. الرياض ركزت على دعم الحكومة الشرعية والحفاظ على وحدة اليمن، خوفاً من قيام دولة حوثية موالية لإيران على حدودها. أما أبوظبي، فقد استثمرت بكثافة في بناء قوة محلية جنوبية مستقلة، عبر تشكيل ما يُعرف بـ"قوات الحزام الأمني" والنخب العسكرية، ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس في مايو 2017 بقيادة عيدروس الزبيدي، ويطمح علناً إلى استقلال الجنوب.

وقال اليوم، بعد عشر سنوات من بدء الحرب الأخيرة، يبدو اليمن وكأنه دولة بالاسم فقط. الخريطة الفعلية للسيطرة موزعة بين ثلاث قوى رئيسية لا تخضع لسلطة مركزية واحدة. في الشمال، يسيطر الحوثيون على صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية الكبرى، ولديهم مؤسسات حكم كاملة تدير الشؤون المالية والأمنية والتعليمية، وتفرض الضرائب، وتمتلك قوة عسكرية متماسكة مدعومة بالصواريخ والطائرات المسيرة التي طورتها بدعم إيراني مباشر. هذا الكيان الحوثي أثبت قدرته على الصمود والتأثير، حتى أنه نفذ هجمات على منشآت أرامكو السعودية في 2019، ولا يزال يشكل تهديداً استراتيجياً للملاحة في البحر الأحمر.

في الجنوب، توسع نفوذ المجلس الانتقالي بشكل لافت، حتى بات يسيطر على عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، إضافة إلى محافظات لحج وأبين وشبوة، والآن حضرموت والمهرة. هذه السيطرة ليست عسكرية فحسب، بل تشمل إدارة الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية، وفرض نظام أمني مستقل، وبناء مؤسسات إعلامية وخدمية موازية. المجلس الانتقالي يتحدث علناً عن "استعادة دولة الجنوب"، ويستند في خطابه إلى تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي قامت بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في 1967، وظلت دولة مستقلة حتى الوحدة في 1990 .
ولفت إلي الحكومة المعترف بها دولياً، فحضورها الفعلي تراجع إلى حد كبير. رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الوزراء غادرا عدن أكثر من مرة تحت ضغط التطورات الأمنية، ولم يعودا قادرين على إدارة المحافظات التي يُفترض أنها تحت سيطرتهم. سلطة الحكومة أصبحت رمزية، مرتبطة بالاعتراف الدولي والدعم السعودي أكثر من السيطرة الفعلية على الأرض.

هذا الوضع المعقد يطرح سيناريوهات متعددة لمستقبل اليمن. السيناريو الأول يتحدث عن تسوية شاملة تشارك فيها جميع الأطراف، قد تنتهي باتفاق على إعادة هيكلة الدولة في شكل فيدرالي أو كونفدرالي، أو حتى قبول استقلال الجنوب بشكل سلمي ومتفاوض عليه. السيناريو الثاني يتجه نحو تقسيم متفق عليه بين كيانين، أحدهما شمالي بقيادة الحوثيين، والآخر جنوبي بقيادة المجلس الانتقالي، مع نهاية رسمية لفكرة الدولة الموحدة. السيناريو الثالث، وهو الأكثر ترجيحاً حالياً، يقوم على استمرار الوضع القائم، أي حالة "لا حرب ولا سلام"، حيث تتعايش الأطراف الثلاثة ضمن خريطة نفوذ مجزأة، وهدنة هشة قابلة للانهيار في أي لحظة. أما السيناريو الرابع، فهو العودة إلى حرب شاملة، إذا أعلن المجلس الانتقالي الانفصال من جانب واحد، أو حاول الحوثيون التقدم نحو عدن، أو تصاعدت الخلافات الإقليمية بين السعودية والإمارات .

وأختتم الكاتب بالقول أن المشهد الإقليمي يلعب دوراً حاسماً في تحديد مصير اليمن. إيران تستثمر في الحوثيين بوصفهم ورقة استراتيجية فعالة تمنحها نفوذاً على خاصرة الخليج بتكلفة أقل بكثير من تدخلاتها في سوريا أو العراق. السعودية، رغم تعبها من حرب طويلة ومكلفة، لا تزال ترفض قبول دولة حوثية على حدودها، وتسعى لحل سياسي يحفظ الحد الأدنى من نفوذها ويمنع تمدد إيران. الإمارات، من جهتها، بنت نفوذها في الجنوب على المدى الطويل، وتسيطر على موانئ استراتيجية مثل عدن وسقطرى والمخا، وتنظر إلى المجلس الانتقالي كشريك موثوق يحفظ مصالحها في السيطرة على الممرات البحرية. هذا التباين في الأولويات بين الرياض وأبوظبي يعمّق الانقسام داخل المعسكر المناهض للحوثيين، ويجعل أي تسوية سياسية أكثر صعوبة.

التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة تحمل دلالات عميقة. فسيطرة القوات الجنوبية على هذه المناطق النفطية الاستراتيجية، والتي كانت تُدار من قبل قوات موالية للحكومة الشرعية، تعني أن المجلس الانتقالي أصبح يسيطر فعلياً على كامل الحدود الجنوبية كما كانت قبل 1990. هذا الواقع الجديد يمنح الجنوب قوة تفاوضية غير مسبوقة، ويجعل حديث الانفصال أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى. المحللون يرون أن هذه السيطرة ليست مجرد توسع عسكري، بل هي خطوة ممنهجة نحو بناء كيان سياسي واقتصادي وأمني مستقل، يمتلك الموارد والقدرة على الحكم الذاتي .
في المقابل، تبقى المخاوف من تكرار سيناريو 1994 قائمة. فحرب الانفصال حينها أدت إلى آلاف القتلى، ودمار واسع، وإقصاء سياسي طويل الأمد للقيادات الجنوبية. لذلك، يتساءل كثيرون: هل سيقبل الشمال، وتحديداً الحوثيون الذين يسيطرون على الجيش الأقوى حالياً، بانفصال الجنوب سلمياً؟ وهل ستقف السعودية مكتوفة الأيدي أمام تقسيم اليمن، وهي التي استثمرت سياسياً وعسكرياً في الحفاظ على وحدته؟
ما يزيد التعقيد أن الشعب اليمني نفسه منقسم في رؤيته. بعض الجنوبيين يرون في الانفصال الحل الوحيد لإنهاء عقود من التهميش والظلم، ويشعرون بأن الوحدة كانت غلطة تاريخية يجب تصحيحها. بينما يرى آخرون، في الشمال والجنوب، أن اليمن الموحد هو مشروع وطني يستحق النضال من أجله، وأن التقسيم سيؤدي إلى مزيد من الحروب والفوضى، ويفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية أعمق.

الواقع الحالي يشير إلى أن اليمن يعيش فعلياً حالة انقسام بحكم الأمر الواقع، شبيهة بما كان قبل 1990، لكن مع اختلافات جوهرية. فاليمن الشمالي لم يعد يحكمه نظام جمهوري تقليدي، بل جماعة دينية مسلحة ذات أيديولوجيا زيدية وتحالفات إيرانية. واليمن الجنوبي لم يعد اشتراكياً، بل يتجه نحو نموذج قبلي-عسكري مدعوم من الإمارات. أما الحكومة الشرعية، التي يُفترض أنها تمثل اليمن الموحد، فقد أصبحت أضعف من أن تفرض سلطتها في أي مكان تقريباً.

مع هذا، يبقى السؤال الأهم: هل سيعود اليمن رسمياً إلى مشهد ما قبل 1990؟ الإجابة تعتمد على عوامل متعددة، أبرزها موقف القوى الإقليمية والدولية، واستعداد الأطراف المحلية للتفاوض أو القتال، وقدرة المجتمع الدولي على دفع مسار سياسي حقيقي. لكن ما هو واضح حتى الآن أن اليمن الموحد الذي أُعلن في 1990 لم يعد موجوداً على الأرض. الدولة المركزية انهارت، والمؤسسات تفككت، والسلاح انتشر، والولاءات أصبحت محلية وإقليمية أكثر منها وطنية. في ظل هذا الواقع، قد لا تكون العودة إلى ما قبل 1990 مجرد احتمال، بل مساراً تدفع نحوه الأحداث بقوة، سواء بموافقة الجميع أو بفرض الأمر الواقع.

Image

استطلاع راى

هل تؤيد منع الأطفال والمراهقين دون سن الـ 16 من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في مصر؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5720 جنيهًا
سعر الدولار 47.51 جنيهًا
سعر الريال 12.67 جنيهًا
Slider Image