الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 | 05:43 م

عزام ل " مصر الان": الذكاء الاصطناعي يفرض "إيقاعاً آلياً" لا يرحم "يتخطى" القدرات البشرية


قال الكاتب الصحفي حسن عزام في تصريح خاص لموقع " مصر الان"أن الذكاء الاصطناعي بات لا مجرد أداة مساعدة في أروقة الشركات والمؤسسات ، بل تحول إلى كيان فاعل يعيد صياغة علاقة الإنسان بالعمل، ويفرض إيقاعاً آلياً لا يرحم يتخطى القدرات البشرية في السرعة والدقة والاستمرارية. هذا التحول يطرح إشكالية عميقة تتجاوز التخوفات التقليدية من البطالة التكنولوجية إلى القلق الفلسفي حول الهوية المهنية والحرية الفردية في عصر الخوارزميات.
وأضاف عزام أنه في الماضي القريب، كان الإنسان هو من يصمم الآلات ويحدد سرعتها ويضبط إيقاعها لخدمة أهدافه الإنتاجية، أما اليوم فإننا نشهد انقلاباً في هذه المعادلة حيث تفرض الخوارزميات وتعلم الآلة إيقاعاً جديداً لا يمكن للعامل البشري إلا أن يسير في ركابه. فالأنظمة الذكية التي تدير سلاسل الإمداد، وتنسق بين فرق العمل، وتتنبأ بالطلب، وتعدل الأسعار حسب الخوارزميات الديناميكية، كلها أدوات تتخذ قرارات في زمن حقيقي أسرع من أي قدرة إدراكية بشرية. العامل هنا لم يعد يستخدم التكنولوجيا بل أصبح جزءاً من منظومة تتخذ قراراته نيابة عنه، وتوجه يده، وتنظم زمنه بل وتترصد أداءه باستمرار.
وأكد أن ما يثير القلق ليس فقدان الوظائف وحسب، بل فقدان الاستقلالية الفكرية والمهنية التي تمثل جوهر الإنسانية في العمل. حينما يقترح الذكاء الاصطناعي كل خطوة، ويصحح كل خطأ، ويوجه كل قرار، يتحول العامل إلى مجرد منفذ للتعليمات الخوارزمية، تتآكل قدرته على الحكم النقدي وعلى الإبداع الحقيقي وعلى اتخاذ المبادرات. الاستقلالية هنا ليست رفاهية فلسفية بل هي أساس الكفاءة المهنية والتطور الذاتي. فالموظف الذي لا يمارس حرية القرار لا يطور حدسه المهني، ولا يبني خبرته التراكمية، ولا يكتسب القدرة على المسؤولية الأخلاقية عن أفعاله.
تتكشف هذه الإشكالية بشكل أكثر وضوحاً في القطاعات التي تعتمد على نماذج التعلم العميق لتقييم الأداء. فالموظف يجد نفسه محكوماً بمعايير شفافة تماماً للخوارزمية لكنها غامضة بالنسبة له، يتلقى تعليماته من نظام لا يفهم دوافعه ولا سياقاته الإنسانية. يرتبط راتبه وترقيته واستقراره الوظيفي بمؤشرات يتم حسابها آلياً، لكنه لا يملك القدرة على مناقشتها أو التفاوض عليها. هذه الآلية ليست مجرد تحسيناً للإنتاجية بل هي إعادة هيكلة للسلطة في مكان العمل، حيث تنتقل من الأفراد إلى الأنظمة، ومن التفاعل البشري إلى الحسابات الرياضية.
النتيجة الطبيعية هي ظهور ما يمكن تسميته "الإنسان التابع للخوارزمية"، ذلك الكائن المهني الذي يمتلك المهارات لكنه يفتقر إلى القدرة على توجيهها ذاتياً. يمكنه تنفيذ المهام بكفاءة عالية طالما كان ضمن المسار المرسوم له رقمياً، لكنه يفقد القدرة على التكيف مع الحالات الاستثنائية، أو على ابتكار حلول غير تقليدية، أو حتى على رؤية الصورة الكلية بعيداً عن التجزئة الخوارزمية. هنا تكمن المفارقة: ففي الوقت الذي تروج فيه الشركات لأن الذكاء الاصطناعي يحرر الإنسان للتركيز على المهام ذات القيمة المضافة العالية، إلا أن الواقع يظهر أن غالبية القوى العاملة تُسخر لتغذية الآلة بالبيانات وتنفيذ توصياتها، مما يخلق حلقة مفرغة من التبعية التكنولوجية.
ورجح أنه وربما الأخطر من ذلك هو التأثير على الهوية المهنية والذاتية. فالعمل ليس مجرد مصدر للدخل، بل هو ممارسة للذات وتحقيق للذات. حينما يستبدل الحكم البشري بحكم الآلة، تنتزع من الفرد شرعية قراراته وبالتالي قيمته الذاتية ككائن مفكر ومقرر. يتحول الإحساس بالإنجاز من مسألة ذاتية إلى معادلة خارجية يتم قياسها بالأرقام والنسب المئوية، مما يفرض نوعاً من "الإنسانية الكمية" حيث يتم تسجيل كل نفس بشري كمتغير في معادلة إنتاجية ضخمة.
من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار الفوائد الكمية التي يجلبها الذكاء الاصطناعي: زيادة الإنتاجية، تقليل الأخطاء، تحسين التنبؤات، وتوفير التكاليف. لكن السؤال الجوهري يبقى: ما السعر الذي ندفعه مقابل هذه المكاسب؟ وهل يمكن قياس تكلفة فقدان الاستقلالية بنفس وحدة قياس الكفاءة التشغيلية؟ إن المفاضلة هنا ليست بين الكفاءة والبطالة فحسب، بل بين نوعين من المجتمعات: مجتمع يحافظ على قدرة أفراده على التفكير المستقل والقرار المسؤول، وآخر يرتضي بالرخاء المادي على حساب حريتهم الفكرية والمهنية.
التحدي المطروح ليس تقنياً بالدرجة الأولى بل هو تحدي أخلاقي وإداري وفلسفي. فقبل تبني كل تقنية ذكاء اصطناعي جديدة، يجب أن تسأل المؤسسات نفسها ليس فقط "كم ستوفر من وقت وتكلفة؟" بل "كم ستكلفنا من استقلالية وإنسانية؟". يجب أن تصمم الأنظمة بشكل يحافظ على إنسانية العمل، ويترك مجالاً للحكم البشري، ويحمي القدرة على المبادرة والإبداع. ربما يكون الحل ليس في رفض التكنولوجيا بل في إعادة صياغة علاقتنا بها، بحيث تبقى الأداة أداة، والإنسان هو من يمسك بزمام المبادرة ويحدد الإيقاع.

استطلاع راى

هل تؤيد منع الأطفال والمراهقين دون سن الـ 16 من استخدام منصات التواصل الاجتماعي في مصر؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5720 جنيهًا
سعر الدولار 47.51 جنيهًا
سعر الريال 12.67 جنيهًا
Slider Image