الأربعاء 24 ديسمبر 2025 | 10:28 ص

ترامب يعاقب أوروبا: "حرب جديدة عبر الأطلسي "حول حرية التعبير في العصر الرقمي(1)


 كشف الكاتب الصحفي حسن عزام أنه وفي خطوة غير مسبوقة تعكس تصاعد التوترات عبر الأطلسي حول حرية التعبير وتنظيم المحتوى الرقمي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء الموافق الثالث والعشرين من ديسمبر عن فرض عقوبات على خمسة أفراد أوروبيين بارزين، متهمة إياهم بممارسة ما وصفته بالرقابة على المحتوى الإلكتروني والتدخل في حرية التعبير الأمريكية. تمثل هذه الخطوة تصعيدا دراماتيكيا في الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول كيفية معالجة التضليل والكراهية على الإنترنت، وتثير تساؤلات جوهرية حول السيادة الرقمية والحدود بين تنظيم المحتوى والرقابة.

وقال عزام إن في مقدمة المستهدفين بهذه العقوبات يأتي الفرنسي تييري بريتون، الوزير والدبلوماسي السابق الذي شغل منصب المفوض الأوروبي للسوق الداخلية في الفترة من 2019 إلى 2024، والذي يعتبر المهندس الرئيسي وراء قانون الخدمات الرقمية الأوروبي. هذا القانون، المعروف اختصارا بـDSA، يمثل أحد أكثر التشريعات شمولية وطموحا في العالم لتنظيم المنصات الرقمية الكبرى، ويفرض التزامات صارمة على شركات التكنولوجيا العملاقة، معظمها أمريكية، للتعامل مع المحتوى غير القانوني والمضلل. بريتون، الذي كان شخصية محورية ومثيرة للجدل في بروكسل، اشتهر بمواقفه الحازمة تجاه شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى وبدفاعه المستميت عن السيادة الرقمية الأوروبية.
وأردف أنه إلى جانب بريتون، تستهدف العقوبات أربعة أفراد آخرين يمثلون منظمات غير حكومية تعمل في مجال مكافحة التضليل والكراهية على الإنترنت في المملكة المتحدة وألمانيا. من المملكة المتحدة، يشمل ذلك عمران أحمد، الذي يرأس مركز مكافحة الكراهية الرقمية، وهي منظمة بارزة تراقب وتوثق خطاب الكراهية والتطرف على المنصات الرقمية، بالإضافة إلى كلير ميلفورد، التي تترأس مؤشر المعلومات المضللة، وهو مشروع يسعى لتتبع وتقييم انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة عبر الإنترنت. أما من ألمانيا، فتشمل القائمة آنا-لينا فون هودنبرج، مؤسسة منظمة HateAid الألمانية غير الحكومية التي تقدم الدعم لضحايا الكراهية والمضايقات الرقمية، وزميلتها جوزفين بالون من نفس المنظمة.
وأوضح أنه تجمع هؤلاء الأفراد الخمسة، على الرغم من تنوع خلفياتهم ومناصبهم، خيط مشترك واحد وفقا للإدارة الأمريكية، وهو دورهم المحوري في المبادرات الأوروبية والدولية الرامية إلى تنظيم المحتوى الرقمي ومكافحة التضليل. تنظر واشنطن إلى هذه الجهود، وخاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، على أنها تهديد مباشر لحرية التعبير كما تفهمها الثقافة السياسية الأمريكية، والتي تعطي أولوية قصوى للحق في التعبير الحر حتى لو كان مثيرا للجدل أو مسيئا، في إطار التعديل الأول للدستور الأمريكي. من المهم الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت أن لا أحد من الأشخاص المستهدفين بالعقوبات يشغل حاليا مناصب رسمية في حكومات بلدانهم أو في المؤسسات الأوروبية، مما يجعل استهدافهم بعقوبات دبلوماسية أمرا غير اعتيادي ويثير تساؤلات حول الأساس القانوني لهذه الخطوة.
وقال الكاتب أن العقوبات المفروضة تتضمن حظر دخول هؤلاء الأفراد إلى الأراضي الأمريكية، وهو إجراء يستخدم عادة ضد مسؤولين حكوميين أجانب متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد أو تهديد المصالح الأمريكية. في تبريرها لهذه العقوبات، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية أفعال هؤلاء الأشخاص بأنها تشكل "رقابة" تضر بالمصالح الأمريكية، معتبرة أن جهودهم لتنظيم المحتوى الرقمي تتجاوز الحدود المشروعة وتتحول إلى قمع للأصوات والآراء الأمريكية. هذا الموقف يعكس رؤية جذرية لمفهوم حرية التعبير، حيث يتم النظر إلى أي محاولة لوضع قيود على المحتوى الرقمي، حتى لو كان الهدف منها مكافحة الكراهية والتضليل، على أنها رقابة غير مقبولة.
وأشار أنه وفي بيان حاد اللهجة، كتب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن "الأيديولوجيين الأوروبيين" قد انخرطوا لفترة طويلة في "إجراءات منسقة" تهدف إلى إجبار المنصات الأمريكية على قمع الآراء الأمريكية التي يعارضونها. هذا الاتهام يشير بوضوح إلى قانون الخدمات الرقمية وغيره من التشريعات والمبادرات الأوروبية التي تطالب شركات التكنولوجيا العملاقة مثل فيسبوك وتويتر وجوجل ويوتيوب بإزالة المحتوى غير القانوني أو المضلل أو الذي يحض على الكراهية. من وجهة نظر روبيو والإدارة الأمريكية، هذه المطالب تتجاوز حدود السيادة الأوروبية وتتدخل بشكل غير مشروع في الفضاء الرقمي الأمريكي والحريات الأمريكية. أضاف روبيو بنبرة حازمة أن "إدارة ترامب لن تتسامح بعد الآن مع هذه الأعمال الصريحة من الرقابة خارج الإقليم"، مستخدما مصطلح "مجمع صناعي عالمي للرقابة" لوصف ما تراه الإدارة شبكة منظمة من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التي تعمل معا للحد من حرية التعبير على المستوى العالمي.
هذا المصطلح، "المجمع الصناعي العالمي للرقابة"، يحمل أصداء واضحة من خطاب الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور عن "المجمع الصناعي العسكري"، ويهدف إلى إثارة مخاوف من وجود قوى خفية ومنسقة تعمل ضد الحريات الأساسية. من منظور الإدارة الأمريكية، فإن الجهود الأوروبية لتنظيم المحتوى الرقمي ليست مجرد سياسات محلية مشروعة، بل هي جزء من أجندة أيديولوجية أوسع تسعى لفرض معايير أوروبية على الشركات والمستخدمين الأمريكيين، وبالتالي تقويض الحريات المحمية بموجب الدستور الأمريكي.
وقال أن هذا النزاع يكشف عن خلاف جوهري وعميق بين النموذجين الأمريكي والأوروبي في التعامل مع حرية التعبير والمحتوى الرقمي. في الولايات المتحدة، يحظى مبدأ حرية التعبير بحماية دستورية قوية للغاية بموجب التعديل الأول، حيث يتم التسامح مع نطاق واسع جدا من الأقوال، بما في ذلك الكلام المسيء والمثير للجدل، ما لم يرق إلى مستوى التهديد المباشر أو التحريض الوشيك على العنف. هذا التقليد يعكس فلسفة تعطي الأولوية القصوى لحرية الفرد في التعبير وترى أن "الحل للكلام السيئ هو المزيد من الكلام" وليس الرقابة. في المقابل، يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجا أكثر توازنا، حيث يسعى إلى الموازنة بين حرية التعبير وقيم أخرى مثل حماية الكرامة الإنسانية ومكافحة خطاب الكراهية والتمييز ومنع انتشار المعلومات المضللة التي يمكن أن تضر بالديمقراطية والصحة العامة. القوانين الأوروبية تجرم خطاب الكراهية وإنكار الهولوكوست والتحريض على العنف بشكل أكثر صرامة من القوانين الأمريكية، وتنظر إلى تنظيم المحتوى الرقمي على أنه امتداد طبيعي لهذه المبادئ.
قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، الذي كان تييري بريتون أحد مهندسيه الرئيسيين، يمثل محاولة طموحة لتطبيق هذا النهج الأوروبي على البيئة الرقمية. يفرض القانون على المنصات الكبيرة التزامات واسعة لإزالة المحتوى غير القانوني بسرعة، وتوفير الشفافية حول خوارزمياتها وممارسات الإشراف على المحتوى، واتخاذ إجراءات استباقية لمنع انتشار المعلومات المضللة والمحتوى الضار. كما يمنح القانون المستخدمين حقوقا أكبر في الاعتراض على قرارات إزالة المحتوى ويفرض غرامات كبيرة على الشركات التي تنتهك القواعد. بالنسبة للأوروبيين، هذا القانون يمثل خطوة ضرورية لحماية الديمقراطية والحقوق الأساسية في العصر الرقمي، ولكن بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة، وخاصة في الإدارة الحالية، فإنه يمثل تدخلا غير مبرر في حرية التعبير ومحاولة لفرض القيم الأوروبية على الشركات والمستخدمين الأمريكيين.

Image

استطلاع راى

هل تؤيد تقنين حضور المصورين للجنازات؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5780 جنيهًا
سعر الدولار 47.59 جنيهًا
سعر الريال 12.69 جنيهًا
Slider Image