«عمار الزبن» الأسير المحرر بعد اعتقاله ٢٧ عاما داخل سجون الاحتلال ورحلة كسر قيود السجن عبر النطف المهربة ل«مصر الآن»:
في قلب الزنازين المظلمة، حيث أراد السجّان أن يقتل الحياة ويطفئ شعلة الأمل، ولدت حكاية تتحدى المستحيل، هناك بين جدران صمّاء وحكم يقضي بمؤبّدات لا تنتهي، قرر الأسير الفلسطيني عمار الزين أن يسرق من أنياب السجن معجزة صغيرة اسمها الحياة.
لم يستسلم للقيد ولا لأحكام الاحتلال التي أرادت أن تجرده من كل شيء، بل اختار أن يطل على العالم من خلال طفليه، مهند وصلاح الدين، أول ثمار تجربة النطف المهربة في تاريخ الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال.
لكن البطولة لم تكن حكرا عليه وحده؛ فإلى جانبه وقفت زوجته دلال، امرأة فلسطينية حملت على كتفيها عبء القضية وواجهت مجتمعًا محافظا وضغوطا اجتماعية وإشاعات مغرضة، لتنتصر في النهاية بعنادها وإيمانها بزوجها الأسير.
كانت دلال جسر الأمل بين السجن والحياة، تقاتل كي تبقي اسم عمار حاضرا في بيتها، وتمنح أطفالها حقّ أن يولدوا رغم أنف الاحتلال.
قصة عمار ودلال ليست مجرد تجربة شخصية، بل ملحمة إنسانية كتبت بدموع الأمهات وصبر الزوجات وصمود الأسرى، إنها رسالة بأن الاحتلال مهما ضيّق على الجسد، فلن يملك القدرة على تقييد الروح أو مصادرة الحلم.
ومن هنا يبدأ هذا الحوار مع عمار الزين، الأسير الذي حول سجنه إلى مدرسة للأمل، وزوجته التي أثبتت أن الحرية تبدأ من رحم الإرادة.
التقينا به وسألناه..
**بداية، من هو عمار الزين؟ كيف تعرّف نفسك للجيل الجديد الذي ربما لم يعاصر تجربة اعتقالك؟
اسمي عمار عبد الرحمن حماد الزبن، ولدت يوم 15 يناير 1975 في مدينة نابلس، وأنتمي إلى عائلة تعود أصولها إلى بلدة ميثلون في جنين، تضم 5 أبناء قاوموا الاحتلال الإسرائيلي سنين طوالا
ومن أسرة بسيطة قاومت الاحتلال، أمي وأخي شهيدان وأبي وأخي الوحيد أسيران محرران، واستشهدت والدتي في أثناء تضامنها معنا في الإضراب المفتوح عن الطعام في 2004، واستشهد أخي الأكبر يشار عام 1994 في مدينة نابلس، بعد مواجهته قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس، وهو أسير محرر أمضى 5 أعوام في السجون قبل استشهاده.
**ما أبرز محطات نضالك ضد الاحتلال قبل الاعتقال؟
كنت من أشبال انتفاضة الحجارة عام 1987، وكبرنا على مقاومة المحتل وكبر معنا الوعي بضرورة التطوير الطبيعي لوسائل النضال. تم اعتقالي عام 1990 وكان عمري 16 عاما، حيث مكثت 26 شهرا في سجون العدو بتهمة ضرب المولوتوف والحجارة على قوات العدو والانتماء لحركة حماس، وفي عام 1994 تم اعتقالي إداريا بدون محاكمة مدة ستة أشهر، وكنت في حينها قد أصبحت قائدا في مجموعة عسكرية في دائرة المهندس يحيى عياش، لكن العدو لم يعلم بذلك لأن العمل كان سريا،. ولما تم تحرري من الأسر، استأنفت العمل العسكري وكان ذروته عبارة عن تنفيذ عمليتين استشهاديتين في القدس المحتلة عام 1997، إلى جانب إخوةٍ عظام نالوا الشهادة بعد ذلك في انتفاضة الأقصى عام 2002 في مدينتي نابلس في الضفة الغربية.
**متى تم اعتقالك، وما هي ظروف الاعتقال والأحكام التي صدرت بحقك؟
تم أَسري في 11 يناير 1998، نتيجة أسر مجموعةٍ من الشباب المقاوم أثناء قيامها بمحاولة أسر جندي؛ حيث انكشف طرف خيط قاد إلينا، فتعرضت ورفاقي إلى تعذيب شديد كالعادة في أقبية التحقيق، والنتيجة: الحكم بـ 26 مؤبدًا و25 عامًا. وبعد اثني عشر عامًا في الأسر!! تم إضافة عامين بتهمة جديدة: تنظيم مجموعة من داخل السجن لأسر جندي لتحرير الأسرى.
السجن ليس المكان الصحيح للإنسان الحر، ومهما كانت ظروفه فهي سيئة، فالهدف منه قتل روحك وأحلامك والقضاء على إنسانيتك التي تجعل منك صاحب كرامة.
**كم كان عمرك وقت اغتقالك، وكم قضيت داخل سجون الاحتلال؟
أمضيت في الأسر 30 عامًا منها 27 عامًا ونيّف بشكل متواصل، كان عمري وقت الاعتقال الأخير 23 عامًا، وتحررت وأنا في الخمسين ونيّف.
**وهل سبق وأن اعتقلتك قوات الاحتلال قبل الاعتقال الأخير؟
نعم. اعتقلت ثلاث مرات، كان الأول
في طفولتي عام 1990، حينما كان عمري 16 عاما، وحُكم عليه بالسجن عامين ونصف العام. أما المرة الثانية، فكانت عام 1994، بعد استشهاد أخي بشار، وأمضيت في سجون الاحتلال 6 أشهر، والثالثة عام 1998 حين عودتي من الأردن.
**وما التهم الموحهة إليك في اعتقالك الأخير، وما الأحكام الصادرة ضدك؟
وجهت لي قوات الاحتلال تهمة المشاركة في عمليات استشهادية أدت إلى مقتل 27 إسرائيليا، وحُكم عليه بالسجن 27 مؤبدا، إضافة إلى 25 عاما.
*متى تم اعتقالك، وما هي ظروف الاعتقال والأحكام التي صدرت بحقك؟
تم أَسري في 11 يناير 1998، نتيجة أسر مجموعةٍ من الشباب المقاوم أثناء قيامها بمحاولة أسر جندي؛ حيث انكشف طرف خيط قاد إلينا، فتعرضت ورفاقي إلى تعذيب شديد كالعادة في أقبية التحقيق، والنتيجة: الحكم بـ 26 مؤبدًا و25 عامًا. وبعد اثني عشر عامًا في الأسر!! تم إضافة عامين بتهمة جديدة: تنظيم مجموعة من داخل السجن لأسر جندي لتحرير الأسرى، وتم الإفراج عني بعد 27 عاما داخل سجون الاحتلال الإفراج
وأفرج عن الزبن في 27 فبراير الماصي ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، وذلك في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الطرفان يوم 15 يناير الماضي،
والسجن ليس المكان الصحيح للإنسان الحر، ومهما كانت ظروفه فهي سيئة، فالهدف منه قتل روحك وأحلامك والقضاء على إنسانيتك التي تجعل منك صاحب كرامة.
**حدثنا عن تجربتك في المقاومة قبل اعتقالك؟
عملت شرطيا في سجن نابلس، ثم أنضممت إلى حركة حماس، والتحقت بكتائب القسام، وأصبحت عضوا هاما في خلية "شهداء من أجل الأسرى" التي جاءت ردا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي عام 1997، ونفذت الخلية التي كنت قائدها وآخرون 5 عمليات استشهادية عام 1997، حدثت ثلاث منها في سوق "محانيه يهودا" في سبتمبر وأدت إلى مقتل 27 إسرائيليا وإصابة 300 آخرين، ولم تُعلن كتائب القسام مسؤوليتها عن تنفيذ العمليات بادئ الأمر حتى اكتشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية أمر الخلية وأعضائها، ولذلك توجهت إلى العاصمة الأردنية في مهمة عسكرية خاصة عام 1998.
**وما هي تفاصيل اعتقالك وكيف حدثت؟
عقب عودتي إلى فلسطين، قادما من الأردن اعتقلت في يناير 1998 في معبر الكرامة إثر اكتشاف الاحتلال أمر الخلية، ومكثت في سجون الاحتلال شهورا عدة.
**وهل تعرضت للتعذيب بعد اعتقالك في أثناء فترة التحقيق؟
تعرضت للتعذيب الشديد مما أدى لخسارتي 20 كيلو جراما من وزني وحُكم علي بالسجن 27 مؤبدا، إضافة إلى 25 سنة أخرى بتهمة المشاركة في العمليات الاستشهادية التي أدت لمقتل 27 إسرائيليا.
**هل صحيح أن الأحكام الصادرة ضدك من أعلى الأحكام الصادرة ضد الأسرى في سجون الاحتلال؟
نعم، يعد الحكم الصادر ضدي من أعلى الأحكام بالمؤبد التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي، والتي يتصدرها الأسير عبد الله البرغوثي بـ67 مؤبدا، وقد رفض الاحتلال إطلاق سراحي في كل صفقات التبادل والاتفاقات السياسية التي تلت اعتقالي.
**وهل سمحت إدارة السجن الإسرائيلي لأسرتك بزيارتك؟
لا، فقد منعت زوجتي "دلال" وبناتي "بشائر النصر" و"بيسان" من زيارتي في السجن منذ الحكم علي عام 1998 حتى صيف 2005.
**كيف تصف سنوات السجن، وما أهم التحديات التي واجهتها خلال السنوات الطويلة لاعتقالك؟
السجن صعب، ولكن الأصعب أن تستسلم لإرادة السجان، ونحن لم نستسلم فقاومناه بأمعائنا تارةً وتارةً أخرى بما يناسب الحدث، أما التحديات: فأولها الحفاظ على التوازن النفسي لدينا حتى نفشل مخططات العدو تجاهنا، لذلك فعلنا كل شيء لتحقيق ذلك ومنها (على الصعيد العام): تهريب الهاتف الخلوي، تقوية العلاقة مع أسرنا وأهلنا وشعبنا من خلاله، التعاقد مع الجامعات الفلسطينية للتدريس بعيدا عن أعين السجان، حتى بعدما أن عرف وصادر التلخيصات ومنع التدريس في الساحات والغرف، لم يستطع إيقاف ذلك
ودرست المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينة نابلس، وحصلت على شهادة الثانوية العامة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ثم بدأت بالدبلوم عام 2006 ثم البكالوريوس والماجستير عام 2012، والفضل بعد الله بإدخال الماجستير للسجون بادئ الأمر للدكتور الصديق مروان البرغوثي، فك الله أسره، وظفرت شخصياً بالحصول على الماجستير من تحت يديه في سجن هدريم، ثم بدأت بالتسجيل والتحضير للدكتوراه بصورة شخصية في السودان وبدأت العمل لولا الحرب الأهلية هناك، وكانت رسالة الماجستير في العلوم السياسية تخصص دراسات إسرائيلية من جامعة القدس (أبو ديس)، والدكتوراه في العلوم السياسية لكنها لم تكتمل بسبب الحرب الأهلية في السودان.
**هل ساهمت سنوات الاعتقال في تطوير مهارات الكتابة الأدبية لديك مثل بقية الأسرى؟
كثير من الأسرى تحدّوا أنفسهم وطوروا من مهاراتهم في شتى المجالات وكنت من بينهم، حيث كتبت 7 روايات خلال عقدين، نشر منها أربع روايات، وإحداها شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015، ومن مؤلفاتي خلال سنوات الاعتقال، "عندما يزهر البرتقال" صدرت عام 2011،
و"من خلف الخطوط" صدرت عام 2015، وتروي قصة أسر الجندي الإسرائيلي "نحشون فاكسمان" عام 1944، و"ثورة عيبال" و"أنجليكا" التي رويت فيها قصة فتاة يهودية ساعدت أحد أبطال المقاومة الفلسطينية في أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000، و"الزمرة" صدرت عام 2017، و"الطريق إلى شارع يافا" صدرت عام 2020.
**هل اختلفت آليات التعذيب الجسدي الذي تعرضت له قبل 7 أمتبر عما بعده؟
التعذيب قبل7 أكتوبر، مثله مثل ما بعده، فالتعذيب واحد لكن شكله اختلف، والمشكلة ليست في ثورة شعبنا في أكتوبر، إنما في العدو الذي كان يحاول ذبحنا على البطيء كما يفعل بشعبنا منذ 78 عاما، ورغم اشتداد بطشه بنا أثناء الحرب، إلا أننا أصبحنا نرى نهاية النفق للأسرى، ونهاية المشروع الاستعماري لبلدنا لأننا أدرى الناس بهذا العدو، مهما كان حجم جرائمه الآن.
التعذيب في التحقيق الذي تعرضت له أخذ أشكالًا عديدة منعل الخنق، كسر الظهر، الضرب على الأعضاء التناسلية، البصاق على الوجه، النيل من العرض والتحرش الجنسي، الحرمان من النوم لأيام طويلة، شتم الذات الإلهية، والمكث لفترات طويلة في الزنازين حيث بقيت 75 يومًا دون رؤية الشمس أو الهواء.
وأبرز أنواع التعذيب في السجن!! العزل الانفرادي، حيث تجلس وحدك عدة سنوات بهدف إيصالك إلى حافة الجنون. لذلك دائمًا ما كان أول مطالبنا في الإضرابات المفتوحة عن الطعام إخراج المعزولين.
أما في أثناء حرب الإبادة فقد تم تعذيبنا جماعيًا بالتجويع، وتجريدنا من الملابس، وإبقائنا في البرد دون أغطية أحيانًا، وحرماننا من العلاج، ثم الاعتداء الدائم علينا بالضرب ورمينا مكبلين للخلف على وجوهنا في الساحات، وإفلات الكلاب البوليسية علينا.
**من أهم أبرز قادة الحركة الأسيرة التي عاشت معهم خلال فترة اعتقالك؟
التقيت في الأسر بالكثير من عظماء شعبنا (وجميع الأسرى عظماء)، ومنهم يحيى السنوار، مروان البرغوثي، أحمد سعدات، جمال أبو الهيجا، والكثيرين. وأذكر مناضلًا قديمًا من عرب سيناء التقيته في سجن عسقلان عام 1998، أُفرج عنه لاحقًا، واسمه أبو حنين إن لم تخني الذاكرة.
**صف لحظة الإفراج عنك ودخولك الحدود المصرية بعد 27 عاما داهل سجون الاحتلال الإسرائيلي؟
لحظة الإفراج هي الولادة من جديد والحياة بعد الموت، وما زلت أعيش حتى الآن هذا الحلم الذي لا يعادله شيء على الإطلاق، ففي اللحظة التي نطق بها السجّان اسمي قبيل الفجر ضمن المفرج عنهم، كدت أسقط على الأرض ولم أستمع للسجّان الذي كان يشتمني، وأنا أعانق رفاق الزنزانة وكنت أقدمهم في الأسر، ولم أسأل عن كل الذي حدث معنا طوال الأيام التي تلت ذلك، قبل نيل الحرية من ضرب وتكسير لأضلاع الصدر عدة مرات، لأنني كنت أعرف أنني سأرى الحرية أخيرا، حتى جاءت اللحظة التي لن أنساها ما حييت، والعدو يدفعنا داخل الخيام، بعد أن أخبرنا الصليب الأحمر باحتمالية عودة 50 أسير إلى السجن إذا حدث خلل في التسليم من جانب المقاومة،
وحينها فك جنود الاختلال قيودي، ودفعوني للأمام وهم يصرخون، فتقدمت قليلا لأجد باب حافلة ضخمة مفتوحا، فلم أتحرك حتى رأيت يدا سمراء تمتد لي، فأمسكت بها لتسحبني إلى الأعلى بقوة وحنان، وكانت يد الضابط المصري التي سيبقى دفؤها في عقلي وقلبي ما حييت، وكل ما عدا هذه اللحظة الفارقة كان جميلا، لكنه ليس بروعتها.
**كيف تقيم دور مصر في ملف الأسرى الفلسطينين والقضية الفلسطينية؟
لا شك أن الدور الذي تقوم به مصر في هذا السياق يليق بمكانتها التاريخية، والذي نتمنى أن يبقى رياديا لنصرة قضايا الأمة وفي قلبها القضية الفلسطينية.
** كنت أول من نجح في تهريب نطفة خارج السجن ونجحت في الإنجاب ابنك مهند عام 2012، حدثنا عن تلك التجربة وابنك صلاح الدين عام 2014، حدثنا عن تلك التجربة؟
خضت مع زوجتي دلال تجرلة تُعد هي الأولى من نوعها بعد أعوام من الانقطاع بسبب إقامتي الطويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ نجحت في تهريب الزبن نطفة إلى زوجتي مرتين غير أن عملية التلقيح لم تنجح.
وتكللت العملية بالنجاح عام 2012، إذ أنجبت ابني "مهند" وأسميته على اسم صديقي "مهند الطاهر" الذي اغتيل عام 2002. وأُطلق على الطفل لقب "سفير الحرية".
ولاحقا، خاضت عائلات أسرى فلسطينيين التجربة نفسها، ونجح العديد منها، إذ قدر عدد الأطفال المولودين بذات الطريقة أكثر من 130 طفلا، وأعدت العملية مرة أخرى عام 2014، وتكللت بالنجاح، إذ رزقا بمولود أسمياه "صلاح الدين".
وهذا شرف عظيم لا أستحقه لأن البطلة الحقيقية زوجتي دلال التي قاتلت من أجل ذلك.
**كيف خطرت لكم فكرة الإنجاب عبر النطف المهربة رغم القيود المشددة داخل السجون؟
إنسانيتنا وحبنا للحياة وفطرة الله عز وجل هي التي دفعتنا دائما للتفكير بذلك، حتى دخل الأسر الأخ عباس السيد عام 2002 وعرض الأمر على بعض الأسرى حيث كان قد نجح خارج السجن بالإنجاب عبر هذه الطريقة، أما عوائق الاحتلال فقد تغلبنا عليها بمسائل أصعب من ذلك ولم تشكل عندنا مشكلة.
**وكيف نجحت في تهريب النطف خارج السجن؟
نجحت عملية التهريب عام 2011 رغم المحاولات العديدة التي حالت دونها التنقلات الكثيرة، حيث استطعت تهريب الأنبوبة الصغيرة من فتحة كنا نهرّب منها الهاتف الخلوي في غرفة الزيارة، وبسرعة تم وضعها في الصدر لتكون بنفس درجة حرارة المكان الأخير التي خرجت منها النطفة، ولم يستطع السجّان رؤية ما يحدث، واستمرت رحلة النطفة 3 ساعات حتى وصلت المختبر في نابلس، وهناك تأكدت سلامتها وأنها ممتازة.
وقامت زوجتي بثلاث محاولات للزراعة ولم تنجح إلا في التجربة الثالثة عام 2012، حيث رُزقنا بمهند في نفس العام، أما صلاح الدين رزقنا به في عام 2014.
** هل كان هناك نقاش طويل بين الأسرى حول جدواها وإمكانية نجاحها؟
النقاش كان عاصفًا ولاقى معارضة شديدة من أغلب الأسرى، والسبب الأول هو حرب الإشاعة التي يشنها العدو على شعبنا واحتمالية أن يستغل ذلك لتشويه سمعة زوجات الأسرى والطعن في شرفهن، لكن الإرادة نجحت وتقدم اثنان من الإخوة كانا قد أمضيا 15 عامًا في الأسر ولم يكن لديهما أولاد، ولكن، للأسف، لم تنجح الزراعة.
**ما أبرز الصعوبات التي واجهتموها في تنفيذ الفكرة للمرة الأولى؟
أبرز الصعوبات على الإطلاق هي إقناع العائلة الممتدة وليس الزوجة، لأننا شعب محافظ وتحت الاحتلال، لذلك تم تجنيد الإعلام الوطني والعلماء الذين أصدروا فتوى بجواز ذلك وقادة وطنيين كانوا أسرى، وبذلك تم تفكيك الصعوبات تدريجيًا. ورغم كل ذلك، كانت المعوقات النفسية عائقًا أمام التقدم بالمشروع حتى تقدمت زوجتي.
** كيف كانت ردة فعل زوجتك وعائلتك حين طرحت عليهم هذا الخيار غير المألوف آنذاك؟
زوجتي هي التي كانت تدفعني للتخلص من التردد، لأنها كانت على تواصل منذ البداية مع زوجتي الأسيرين، وتصرّ على خوض التجربة بعد أن خاضت حربًا مع عائلتها الريفية، حتى أقنعت الجميع بتصميمها وبالتالي أقنعتني فأقنعت أهلي.
**كيف تم التغلب على الجانب الطبي والشرعي والاجتماعي لهذه الخطوة؟
الناحية الطبية كانت الأسهل لأننا تواصلنا مع مركز الإخصاب في نابلس الذي تبنّى المشروع مشكورًا منذ البداية، وأهمها إجراءات السلامة للنطفة المُحرَّرَة وكيفية التعامل معها، حيث كان تحديًا علميًا لأنها ستصل خلال ساعات بدون حاوية طبية وإنما حرارة جسم مهربها من الأهل الذين يستلمونها سراً من أيدينا أثناء الزيارة.
أما اجتماعيًا فقد تم تشكيل لجنة من العائلتين لنشر الخبر في كل مكان إضافةً إلى الإعلام في مرحلة لاحقة، والجانب الشرعي تم ملائمته مع كل ذلك.
** صف لنا لحظة سماعك خبر نجاح التجربة وإنجاب طفلك الأول وأنت خلف القضبان.
لم يكن حينها لدينا هاتف خلوي مهرب، فاعتمدت على الراديو، وفي اللحظة التي سمعت بها الخبر: ولادة أول طفل في العالم عن طريق نطفة محررة، سجدت وسط ساحة التنزّه شكرًا لله ونكايةً بالسجان.
**كيف غيّرت هذه التجربة حياتك داخل السجن، على مستوى الروح والمعنويات والعلاقة بالأسرة؟
لا شك بأنها أحدثت نقلة نوعية على صعيد المعنويات في هذا الجانب، لكن الأهم ما كان يحدث في الأسرة لدى زوجتي وأبنائيّ (بشائر التي تركتها وهي ابنة عام ونصف وبيسان التي كانت جنينًا في أحشاء أمها)، حيث بدا التحول الحقيقي في حياتهم وأصبح هناك جديد كسر رتابة السنين الطويلة، لأنهم ببساطة كانوا يروني من خلال سفير الحرية مهند.
** ما معنى أن ترى أبناءك يكبرون في غيابك وأنت والدهم "الموجود الغائب"؟
سيكون صعبًا الإجابة على ذلك لو كان السؤال مجرّدًا من السياق الذي أُسِرت من خلاله، لكنني كمقاوم (رغم الألم الذي لا يمكن إنكاره) لم أجعل ذلك عاملًا سلبيًا يؤثر على توازني النفسي بل جعلته حافزًا للتقدّم للأمام وعدم إظهار أي لحظة ضعف للأهل حتى يستمدّوا القوة مني، لذلك قمت بالخطوة الثانية وأنجبت مع زوجتي طفلنا الثاني صلاح الدين من نفس النطفة المهربة. ومع ذلك كان صعبًا عليّ بعض المواقف وأبرزها زواج بناتي وإنجابهن وتخرّجهن من الجامعة، وعدم سماع كلمة "بابا" إلا من خلال الهاتف الخلوي.
** هل تعتقد أن هذه التجربة ساهمت في تعزيز صمود الأسرى الآخرين وفتحت لهم أفقًا للأمل؟
كانت ولادة مهند (طفلي الأول) زلزالا بين الأسرى، قلب نسبة التأييد للفكرة بصورة جنونية؛ لأنهم اعتبروه ابنًا لهم جميعًا، حتى إنهم أخذوا ينتقون أسماءً تليق به: تحدي، حرية، كرامة، إصرار، وغيره من عشرات الأسماء. وأغرب مشهد عندما علمت بأن جميع الأسرى في السجون كانوا يبكون عندما بث التلفزيون الفلسطيني لحظة ولادة مهند، وأنا ما زلت أدمع كلما تذكرت ذلك. بعدها بدأ طوفان الإنجاب لدى الأسرى والسباق في ذلك حتى تجاوز عدد سفراء الحرية ما قبل الحرب الـ 130.
**كيف أثّرت التجربة على نظرة المجتمع الفلسطيني والعربي تجاه قضية الأسرى؟
في الأساس، الأسرى لديهم مكانة خاصة في وجدان الشعب الفلسطيني والعرب بموازاة محبة الشهداء، لذلك كانت خطوة الإنجاب من خلف القضبان مثار تأييد وترحيب عارم لحظة قدوم المباركين من جميع أنحاء فلسطين عوضًا عن الإعلام وغيره. وبالضرورة كان واضحًا لدى الجميع أن خطوة الإنجاب ينبغي أن تزيد الحافزية لتحريرنا، وقد حصل ذلك والحمد لله على الصعيد الشخصي، وأتمنى أن نرى البقية قريبًا بيننا.
**كيف تقيّم انتشار تجربة النطف المهربة اليوم بين الأسرى؟
تركت جميع الأسرى يفكرون فقط بأمرين، وهما: انتصار مقاومتنا في غزة وتحريرهم، لأن السابع من أكتوبر وحده هو الذي صنع لهم هذا الأمل، والإنجاب خلف القضبان للانتصار على قمع السجان الإسرائيلي.
**هل كنت تتوقع أن تتحول مبادرتك الفردية إلى نهجٍ يتبناه العشرات من الأسرى فيما بعد؟
إن الإرادة التي أنجبت أطفالًا من خلف القيود ستنتصر على السجان والاحتلال الصهيوني، وإن الذي أكرمنا سيكرمكم، ستخرجون وتنجبون دون حاجة لتحرير النطف، لأن أوان تحريركم قد حان، فخلفكم رجال شعبكم الأوفياء.
** ما الرسالة التي توجهها للأسرى الذين ما زالوا يفكرون في خوض هذه التجربة؟
المستقبل لشعبنا وامتنا ما دمنا نقاوم الاستعمار، وأطفالنا سيقودون المرحلة بعدنا لأننا لم نتخاذل ولم تهزنا الإبادَة عن واجبنا.

