الأربعاء 5 نوفمبر 2025 | 01:02 م

خطايا مصطفى العدوي من تكفير الأقباط إلى فتوى المتحف الكبير وإعادة إنتاج هندسة التكفير لابن تيمية


لم تكن فتوى مصطفى العدوي عن “التبرؤ من فرعون وجنوده” وتحذيره من “التشبّه بهم” في إشارة إلى المصريين الذين غيّروا صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الزي الفرعوني، واصفا التماثيل بأنها "أصنام" وقال إن دخول المتحف يجب أن يكون للتعظة لا للتباهي، إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانحراف الفكري المتخفي وراء قناع “السلفية المدخلية” التي تزعم الابتعاد عن السياسة، بينما تغرس جذور التطرف تحت عباءة الطاعة.

فرغم أن العدوي يعلن منذ بداية مسيرته التزامه بفكر السلفية المدخلية، التي تُحرّم الخروج على الحاكم وتدعي نقاء الدعوة عن السياسة،  فإن افتتاح المتحف المصري الكبير كان كاشفًا ومحرجًا له، إذ فضح ما يخفيه من فكر متشدد وعداء دفين لكل ما هو مصري وحضاري.

لسقطت أقنعة “الالتزام السلفي” حين انكشف الوجه الحقيقي لداعية يكره رموز الهوية المصرية، ويتعامل مع الحضارة الفرعونية كما يتعامل التكفيريون مع خصومهم: باللعن والرفض والتجريم.

من الميكانيكا إلى المنبر

لم يبدأ العدوي طريقه من الأزهر، أو المعاهد الشرعية، بل من كلية الهندسة، قسم الميكانيكا. وهناك، لم يكن في ذهنه ما يتجاوز المعادلات والتروس، لكن في أواخر السبعينيات، حملته رحلة إلى اليمن ليعود منها شخصًا آخر، مشبعا بأفكار المدخلية الوهابية التي تتبنى الولاء المطلق للحاكم، والتكفير الضمني لكل من يختلف مع رؤيتها “الضيقة” للعقيدة.

منذ تلك اللحظة، تحوّل المهندس الشاب إلى داعية يعتلي المنابر، يوزّع الفتاوى ويحدّد للمصريين ما يجوز وما لا يجوز، ناسخا من تراث ابن تيمية خليطا متناقضا من الخضوع السياسي والتشدد الديني.

**تحقيقات في كتب التكفير

قدّم العدوي تحقيقات موسّعة لعدد من الكتب التراثية، أبرزها “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان” لابن تيمية، وهو الكتاب الذي مثل أحد أهم مراجع الفكر التكفيري في العصور اللاحقة.

في تحقيقاته أعاد العدوي طرح فتاوى تكفر الأقباط، وتعتبر تارك الصلاة كافرا، وتنفي ولاية العاصي، مقدّما ذلك تحت لافتة “تجديد الإيمان” بينما هي في حقيقتها تجديد للتقسيم والفتنة.

**ازدواجية المدخلي المتشدد

يتحدث العدوي في العلن عن رفض الفوضى وتحريم الخروج على الحاكم، لكنه في السر يهدم أسس المجتمع المدني المصري بتكفير المكونات الوطنية التي شكلت هوية البلاد، وهو الوجه المصري للمدخلية المموّهة التي تسكت الناس عن السياسة لكنها تزرع فيهم بذور الكراهية باسم الدين.

**المتحف الكبير.. لحظة انكشاف

جاء افتتاح المتحف المصري الكبير ليضع العدوي في مواجهة نفسه، فبينما احتفى المصريون بعظمة تاريخهم وتحولت شاشات التواصل إلى احتفال قومي، خرج العدوي بفتوى تصف الفراعنة بـ“جنود فرعون”، نافيا أي شرف في التزيي بزيهم أو الاحتفاء بآثارهم.

لم تكت تلك فتوى العدوي إلا إسقاطا نفسيا على فكر مريض يرى الهوية الوطنية كفرا، والحضارة وثنية، والفخر بالماضي شركا.

**خطر العدوي على الوعي المصري

تبدو خطورة العدوي في أنه يمارس التطرف بهدوء، دون شعارات سياسية أو بيانات تحريضية، بل تحت عباءة “العلم الشرعي”،
ففتاواه لا تهاجم الدولة مباشرة، لكنها تنخر في جدار الانتماء الوطني، وتضع الدين في مواجهة الحضارة، والمقدس في صدام مع التاريخ، ليتحول الخطاب إلى سلاح ناعم يبرد التطرف بعبارات هادئة، لكنه لا يقل خطرا عن التكفير الصريح.

**من هندسة الميكانيكا إلى هندسة العقول

من المثير أن الرجل الذي درس هندسة الميكانيكا صار يمارس هندسة العقول، يعيد تشكيلها وفق قوالب مغلقة، ويقيس الإيمان بمسطرة الطاعة، والوطنية بمعيار العقيدة، ما يعد مأساة العقل الذي استبدل العلم بالتلقين، والمنهج بالفوضى، والمواطنة بالكراهية.

 سيبقى مصطفى العدوي نموذجا صارخا لداعية خرج من الهندسة إلى الهدم؛ هدم الوعي، وهدم قيم التنوير، وهدم صلة المصريين بتاريخهم العريق الذي لا يراه إلا من يعيش في ظلمة الكهف.

استطلاع راى

هل ترى أن دور الأحزاب السياسية في مصر يعكس طموحات الشارع ويسهم في حل المشكلات اليومية؟

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 21 5380 جنيهًا
سعر الدولار 47.51 جنيهًا
سعر الريال 12.67 جنيهًا
Slider Image