رئيس الموساد السابق يعترف عبر كتابه: إسرائيل سرقت الأرشيف النووي وتغتالت فخري زاده بدم بارد
كشف كتاب المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين عن واحدة من أخطر عمليات «الحرب السوداء» التي نفذتها إسرائيل ضد إيران، في سردٍ يتجاوز التفاخر الاستخباراتي إلى اعتراف صريح بعمليات عدوانية وجرائم ممنهجة استهدفت سيادة دولة كاملة واغتيال أبرز علمائها.
وبحسب قراءة موسعة نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط»، يتباهى كوهين بعملية اختراق إيران وسرقة الأرشيف النووي واغتيال العالم محسن فخري زاده عام 2020، مقدّمًا سردية تُظهر إسرائيل كدولة لا تتورع عن تنفيذ الاغتيالات المنظمة، وضرب البنى التحتية لدول المنطقة، متجاوزة كل القوانين والأعراف الدولية.
اختراق العمق الإيراني… إسرائيل تعمل في قلب طهران كما لو كانت بلا رادع
يفتخر كوهين في كتابه بأن عملية سرقة الأرشيف النووي كانت أعظم إنجاز شخصي له خلال توليه قيادة الموساد، ويعرضها كعلامة فاصلة في مسيرته السياسية المستقبلية داخل إسرائيل. ويعترف بأن القرار اتُّخذ عام 2016، بعد أكثر من عشر سنوات من النشاط السري داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما يعكس مدى تغلغل إسرائيل في العمق الإيراني، واستباحتها المستمرة لأمن دولة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة.
ويقول إن وحدة الموساد التي نفذت العملية داخل إيران ضمت رجالاً ونساء من خلفيات مهنية حساسة، بينهم أكاديميون ومهندسون ومسؤولون حكوميون عملوا لسنوات في الظل، وتمكنوا تدريجياً من اختراق مفاصل الأمن الإيراني. ويشدد على أن العامل الحاسم لم يكن التكنولوجيا فقط، بل تجنيد العملاء داخل الدولة المستهدفة، وهو ما يُعدّ وفق القوانين الدولية عملا عدوانيا مكتمل الأركان.
ويكشف أنه نجح في زرع عناصر داخل منشأة نطنز النووية، المقامة على عمق 8 أمتار تحت الأرض، دون أن ترصدهم أجهزة الأمن، في أكبر اختراق لأحد أهم المراكز النووية الإيرانية.
«أوسكار» اللبناني… جواز سفر مزوّر يقود إلى قلب المشروع النووي
يسرد كوهين كيف تظاهر بهوية رجل أعمال ومحامٍ لبناني يُدعى «أوسكار»، ليتغلغل في المجتمع العلمي الإيراني. ومن خلال هذه الهوية المزوّرة، تمكن من تجنيد عالم ذرة إيراني يطلق عليه اسم «فريد»، كان مساعداً لفخري زاده.
ويصف كوهين هذا العالم بأنه كان «البوابة الذهبية» للموساد نحو أسرار المشروع النووي الإيراني، حيث زوّدهم بوثائق بالغة الحساسية تخص تطوير أجهزة الطرد المركزي.
وبحسب الكتاب، تكشف الوثائق أن الخبرة التقنية الأساسية لم تأتِ من كوريا الشمالية كما هو شائع، بل من شبكة باكستانية مرتبطة ببرنامج «خان»، ما اعتبره الموساد اختراقاً معرفياً لا يقل خطورة عن سرقة الأرشيف نفسه.
ويؤكد كوهين أن الوثائق السرية التي أُخرجت من طهران أثبتت أن فخري زاده لم يكن مجرد موظف بيروقراطي، بل العقل الأول للمشروع النووي الإيراني، وهو السبب المباشر لاتخاذ قرار تصفيته.
اغتيال فخري زاده… إسرائيل تنفذ العملية الأكثر وقاحة في تاريخ الاغتيالات الحديثة
يتوقف كوهين عند حادثة اغتيال فخري زاده، كاشفاً أنها لم تكن عملية عابرة، بل عملية معقدة جرت على مدى شهور، استخدمت فيها إسرائيل أسلحة متقدمة تزن معداتها طناً كاملاً، نُقلت إلى داخل إيران «قطعة قطعة» عبر طرق تهريب مختلفة لتجنب أي تتبع.
العملية، وفق كوهين نفذت بسلاح آلي يعمل بالتحكم عن بعد ويرتبط بحاسوب مزوّد بالذكاء الاصطناعي، جرى تثبيته على شاحنة مجهزة بآلية تدمير ذاتية.
ويعرض التفاصيل بوضوح يكشف حجم الجرأة الإسرائيلية في تنفيذ اغتيالات داخل أراضي دول مستقلة، حيث تابع القناص المشهد مباشرة من غرفة عمليات في تل أبيب، قبل أن يطلق 15 طلقة قتلت العالم الإيراني على الفور.
ويقول كوهين إن زوجة فخري زاده كانت إلى جانبه لحظة تنفيذ العملية، ولم تُصب، بينما انهارت عناصر الحماية الإيرانية في حالة ارتباك وثّقتها كاميرات إسرائيلية.
يؤكد كوهين أن العملية لم تنجح فقط في تصفية العالم الأبرز في البرنامج النووي الإيراني، بل فجّرت خلافات داخلية حادة بين وزارة الاستخبارات والحرس الثوري، بسبب تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الاختراق الأمني الكارثي.
وتشير الرواية إلى أن مشهد الانفجار الذي دمّر الشاحنة التي حملت السلاح كان جزءاً من خطة لطمس الأدلة، بينما ظهر عناصر الحماية الإيرانيون في حالة ارتباك عكست حجم المفاجأة داخل النظام الأمني.
تقدم اعترافات كوهين كما ترى «الشرق الأوسط»، نموذجاً لطبيعة «الحرب الخفية» التي تخوضها إسرائيل ضد إيران، وهي حرب لا تتردد فيها في استخدام الاغتيالات المنظمة، والتخريب، والعملاء الميدانيين داخل الدول الأخرى، في تجاوز واضح للقانون الدولي ولحدود الصراع السياسي.
ورغم أن الرواية لا تخلو من المبالغات التي تخدم صورة المؤلف، فإنها تكشف عن واقع أكثر خطورة:
إسرائيل تمارس حرباً استخباراتية مفتوحة ضد إيران، وتتعامل مع الاغتيال والتخريب كأدوات رسمية في عقيدتها الأمنية.
الكتاب يفتح باباً واسعاً للأسئلة حول مستقبل صراع الظل بين طهران وتل أبيب، وحول قدرة إيران على حماية منشآتها النووية وشخصياتها العلمية في ظل اعترافات إسرائيلية متتابعة بعمليات اختراق تصل إلى قلب العاصمة الإيرانية.





