رئيس التحرير يكتب :إنقلاب شركاء الماضي "السعودية والامارات"علي صفيح ساخن
فجرًا قام سلاح الجو السعودي بشّن ما وصفه بأنه غارة عسكرية محدودة استهدفت حمولة إثنتين من السفن الإماراتية القادمة من ميناء الفجيرة باتجاه ميناء المكلا في جنوب اليمن..وبعد القصف نشر الجيش السعودي فيديوهات توثّق وصول شحنات الأسلحة الإماراتية وتفريغها، وهي عبارة عن عربات وذخائر، ونشر بعد ذلك صور استهدافها والقضاء عليها بالكامل. هل انتهت القصة؟..لا..الأكثر مفاجأة أن قناة العربية وهي الذراع الرسمي السعودي بدأت تصعيد إعلامي مكتوم ضد الإمارات..بث مباشر منذ الفجر والرسالة واحدة..الإمارات تحاول تطويق الأمن القومي السعودي بدعم المجلس الانتقالي الانفصالي في جنوب اليمن، وأن الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تسمح في أي لحظة لأي قوة إقليمية أن تحل محل إيران في اليمن..
لم يكن متصورًا قبل أسابيع أن ينقلب شركاء الماضي القريب..الإمارات والسعودية..لكن آل زايد خاضوا مغامرة أكبر بكثير جدًا من حجمهم الإقليمي الضئيل..ومكّنوا الانفصاليين في جنوب اليمن من السيطرة على محافظتي حضرموت والمهرة، وهي خطوة كبيرة في مسار تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب..الإمارات تصوّرت أنها محمية في الإقليم بغطاء عبري-أميركي يسمح لها بالصعود كقوة حاكمة في الخليج، وهذا يعني في الوجه الآخر تسليم القرار الخليجي للعدو بالكامل..واليوم ترد السعودية بقوة هائلة..لم تجرؤ أي قوة في الإقليم على محو سفن إماراتية من الوجود..السعودية فعلت..ولن تنجح الإمارات في الحصول على حماية أميركية لأن الشريك السعودي أكثر أهمية ألف مرة لواشنطن من حكام أبو ظبي..
هذا مشهد غير مسبوق..بدأ السعوديون والإمارات حلفاءً في اليمن، وانتهوا أعداء..لأن الغنيمة كبيرة..اليمن..اليمن الذي ترغب السعودية في بقائه موحدًا لكن بسلطة تابعة لها..وهو نفسه اليمن الذي ترغب الإمارات في تقسيمه لنصفين، شمال حوثي، وجنوب إماراتي..والسعودية بدأت الرد بطريقة مخفّفة والقادم لن يكون سهل أبدًا..إما أن تستمر الإمارات في دعم الانفصاليين في اليمن وستكون تلك المرّة المواجهة العسكرية على أرض حضرموت ضد العصابات التابعة لأبوظبي، مع قطع كل سبل الإمداد القادم من الإمارات عبر البحر والجو..أو أن تنصاع الإمارات للسعوديين وتسحب عصاباتها من المحافظتين اليمنيتين، حضرموت والمهرة، فورًا..وفي الحالتين خسارة الإمارات ستكون فادحة..لماذا؟..
لو انسحبت الإمارات فستكون الهيبة هي أول خسائرها الإمارات..لأنها دويلة شر شيّدت نفوذها على التوسع الصامت، المحمي سواء بتواطؤ الإقليم أو دعم الكفيل الأميركي، ومن شأن خضوعها للإرادة السعودية أن تُلقي بها في مربع التابع وتعترف للرياض بسيادتها الخليجية والإقليمية التامة..أما الخسارة الثانية فهي تجرؤ كل بؤر النزاع عليها، وضرب إمداداتها في السودان والتي تصل من تشاد والنيجر لعصابات الدعم السريع..هي كرة ثلج ما أن تتدحرج حتى تجد الإمارات أذرعها الإقليمية وقد قُلمت بضربات عسكرية، ومعها تعود أبو ظبي لموقعها الطبيعي كقوة صف ثاني في القرار العربي..أما لو استمرت الإمارات في دعم الانفصاليين في جنوب اليمن، فالقادم هو مواجهة مباشر مع السعودية على التراب اليمني، وسرعان ما سوف تمتد لكل البلدان..ولن تقبل السعودية إزدواج الولاءات من أي طرف عربي..إما هي وإما الإمارات..ستغدو كل بلاد العرب مساحة مواجهة..والنموذج موجود..قطر وحصارها..وهنا تحديدًا سوف تكتشف أبو ظبي أنها لم تترك منفذ إقليمي واحد ترتكن إليه عكس الدوحة، وأن خمسة عشر عاما من العداوات لم تترك لها حليف سوى الكيان..
أخطأت الإمارات وسوف تدفع ثمن غطرسة القوة..دولة صغيرة وتتصوّر زورًا أن العدو سوف يقف لحمايتها وهي تقسّم بلدًا عربيًا تلو الآخر..هذه لحظة للتاريخ..نقطة مفصلية في مستقبل التحالفات العربية..إما القبول بنفوذ استعماري إماراتي يؤدي مهام بالوكالة للعدو، أو الحفاظ على بصيص من الأمل في الإبقاء على وحدة الدول العربية بصورتها الحالية..القصف السعودي للسفن الإماراتية يجب أن يكون تذكرة انتباه للقاهرة بأن لها ذات الحق في قصف حلفاء الإمارات في السودان، وعلى نحو مكثّف، وجعل كل بارودة إماراتية من أي حدود للسودان هدفًا مشروعًا للقوة المصرية..الرياض تعلم أن هدف الإمارات هو حصارها وتطويقها، ولم تشفع الجيرة ولا الأخوة ولا الضحكات في منع استهداف الطيران السعودي سفنًا تابعة لأبو ظبي..والقاهرة بالتأكيد تعلم أن التقسيم السوداني كما تفعل الإمارات الآن، بإنشاء حكومة موازية في دارفور، هو أول خطوة لضرب العمق المصري في النهر والبحر..وليست مصر أبدًا أقل من السعودية في حماية أمنها القومي، وليست المبررات السعودية في اليمن أقل أبدا من المسوغات المصرية في السودان..حان وقت الوقوف في وجه الإمارات..هذه ليست معركة حول اليمن أو السودان فحسب، هذه معركة تنصيب الحكام الجدد للمنطقة..وتستحق القاهرة مقعدا في القيادة لانها هي الاكبر والاقوي والأعظم تاريخيا وسياسيا وجغرافيا وعسكريا ٠

-3.jpg)


