الأحد 27 نوفمبر 2022 | 10:50 ص

القطاع الخاص هو الحل


بالامس السبت إحصائية تعداد السكان في مصر باتت مرعبة في ظل عدم الوعي الكافي لدي البعض خاصةً الغير متعلم من ضرورة تنظيم النسل وبات من الضروري والعاجل التفكير خارج الصندوق لتطويق هذه الزيادة السكانية والمواليد الرهيب٠
وهنا تحتاج مصر والمصريين للوصول إلي وفاق مجتمعي حول حاجتنا للقطاع الخاص وللاستثمار  الخاص والعربي والأجنبي المباشر، أو الاستغناء عنهما. 
فالاقتصاد المصري يحتاج للنمو بمعدل يفوق ثلاثة أضعاف معدل نمو السكان كي يغطي الزيادة السكانية التي بلغت منذ ثورة 2011 نحو 30 مليون مولود جديد. وكذلك تطلعات النمو وتحسين جودة الحياة. ويعني ذلك استهداف معدل نمو يزيد عن 7.5% وهو ما يتطلب أن ندخر 30% من الناتج القومي المصري لتوجيهها للاستثمار. 
لكن المصريون يدخرون حاليا نحو 15% فقط من الناتج القومي. ويعني ذلك أن هناك ثغرة في التمويل تعادل نحو 15% من الناتج القومي، تمثل الفجوة بين المدخرات الفعلية وما ينبغي استثماره. 
ومن أجل توفير ما يملأ هذه الفجوة يمكن اللجوء للقروض والمنح الخارجية، وهي غير كافية وتزيد من أعبائنا. والبديل الآخر هو جذب استثمار من مصادر خارجية مثل أموال المصريين في الخارج والاستثمارات العربية وأيضا استثمارات أوربية وأمريكية وآسيوية تأتي وتصاحبها تكنولوجيا متقدمة. ويري بعض "العقائديين" أن الاستثمار يستفيد من أرباح وفرص نحن أولي بها. ولا يرون أنه يوفر سلع وخدمات مطلوبة، وفرص للتوظف، والقدرة علي غزو الأسواق الأخرى والاستفادة من إمكانيات وموقع مصر. 
عاشت مصر تجارب تنمية اقتصادية عديدة. انتقلت فيها بين عدة نظم. من نظام الدولة المحتكرة لكل أدوات الإنتاج وجعل الناس كلهم أجراء (محمد علي باشا)، إلي نظام اقتصاد حر متسيب بدءا بعهد إسماعيل باشا الذي أتاح المجال للأجانب بأكثر من المصريين. ثم نهضت الوطنية المصرية اعتبارا من طلعت باشا حرب، لتؤسس قاعدة وطنية للاقتصاد يتملكها المصريون. واستمر ذلك طوال حكم الملكية، وحتى السنوات العشر الأولي من ثورة يوليو 1952. التي أقامت السد العالي وأممت قناة السويس وتبنت مشروع السبعمائة مصنع وترجمة الألف كتاب وأتاحت التعليم لكل الطبقات وانحازت للطبقة العاملة.  
ثم كانت بداية التحول عن الاقتصاد الحر واستثمار القطاع الخاص عندما أصيبت مصر بأول "نكسة وطنية" ــ حسبما أسميناها وقتها سنة 1961 ــ بانفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة. فاتجهت مصر لموجة ما سمي بالتأميم. وكان في الحقيقة مصادرة لأملاك مصريين لم يرتكبوا أي جرائم وفق ما أثبتته المحاكم العليا لاحقا في أحكام نهائية.
واتجه المزاج العام لنزع ملكية الناس وأموالهم. وعندما عينت قاضيا في المحكمة العليا للقيم التي كانت تنظر في تصفية هذه القضايا سنة 2009  اطلعت علي قدر الخطأ الذي ارتكبناه في حق أنفسنا ومصر. 
     لم يدرك البعض أن ملكية رأس المال ليست المشكلة الأكثر إلحاحا، وإنما كفاءة إدارته - مع الموارد والممتلكات - إدارة رشيدة. فأحمد عبود باشا، وأحمد فرغلي باشا، وأحمد الطرابيشي، وعبد اللطيف أبو رجيله، وعثمان أحمد عثمان، وسيد ياسين، وأحمد الطويل، بل والفنانين أنور وجدي ومحمد فوزي ومئات غيرهم، صودرت أملاكهم فخسرنا بأكثر مما خسروا. فقد خسروا المال، وخسرنا الرجال والإدارة المقتدرة. وأغلبهم بدأ من جديد وكون ثروات في الخارج بأضعاف ما صادرناه من أموالهم في الداخل. وحصل بعضهم علي أحكام قضائية نهائية برد أموالهم أو بعضها. 
      وفي المحكمة العليا للقيم لمست تفاصيل وحجم الخسارة التي تحملها الاقتصاد المصري بمصادرة أملاك الناس دون حق.   
 انتقلنا في عهد الرئيس السادات إلي نظام الاقتصاد الذي يقوم علي آليات السوق، فأكملت مصر السد العالي وأدارت قناة السويس بكفاءة عالمية. وأنشأت مترو الأنفاق، والمواني والطرق، وتوسعت زراعيا وضاعفت طاقة الكهرباء في طفرات غير مسبوقة، وأصلحت أحوال الاتصالات وأنهت مشكلة التليفونات، وحققت نهضة سياحية كبيرة. 
لكن اقتصاد السوق كان يتطلب إحكام الرقابة علي حركة رأس المال ومنعه من الانحراف والممارسات الضارة بالمنافسة الشريفة. خصوصا بعد ما كشفته أزمة النمور الآسيوية سنة 1997 التي كانت ضحية سياسات الصرف الجامدة، والأزمة المالية العالمية سنة 2008 التي نتجت عن انحراف رأس المال الأمريكي المتسيب. 
والدرس هو أنه لا يوجد في الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية حلول كاملة الأوصاف أو اقتصاديين يحلقون بأجنحة الملائكة. ولكن أنجح التجارب لم تكن بالضرورة ابنة اليسار الذي ينتمي لفكر الاقتصاد الذي تديره الدولة وتكون هي المنتج والمحتكر للسلع والخدمات، ولا لممارسة اقتصاد السوق بكل تسيباته، وإنما تكون تجارب البناء الناجحة هي تلك التي تقدمها قيادات من النخبة تساندها غالبية الناس، وتتبني مشروعات قومية للبناء يجتمع خلفها ويستفيد منها غالبية المواطنين. فهذا الوطن أفضل بكثير مما نصوره، ويستحق أفضل بكثير مما حققناه حتى الآن. فالمستقبل وأحفادنا ينتظرون أن نبذل لأجلهم ما يستحقون من جهد وعناء. وفي هذا يضرب المثل بالفارق الشاسع في قدر نجاح أو إخفاق هيلموت شميت وهيلموت كول – في ألمانيا -  في إدارة موازنة الدولة من العجز إلي الفائض عندما نجح الثاني في مواجهة الأزمة بحل غير تقليدي. كما يضرب المثل بين العاطفين – رئيسي الوزراء صدقي وعبيد، في مصر –  في إدارة نفس سياسة الإصلاح الاقتصادي، عندما كسب الأول ثقة الناس، ولم يوفق الثاني في النجاح بنفس السياسة.