الاثنين 28 نوفمبر 2022 | 06:31 م

الجمهورية الجديدة.. وخطوات على طريق إصلاح التعليم


ربما لا يستوعب كثيرون من غير المتخصصين حجم اهتمام الدولة المصرية في السنوات الأخيرة بمسألة جودة التعليم، وحجم ما تتخذ من إجراءات تترجم به هذا الاهتمام وتترجم به إدراكها أن إصلاح التعليم هو الحل الذي لا بديل عنه.
وبحكم عملي واطلاعي على هذه الجهود العظيمة في وزارة التعليم العالي وإصلاح التعليم الجامعي تحديدا، أستطيع أن أشير إلى عدد من النقاط والسبل المهمة التي ركزت عليها الدولة في مسار عملية إصلاح التعليم، فأولا عملت الدولة على توجيه الأساتذة وإلزامهم بمعايير علمية دقيقة للامتحانات الجامعية تراعي التنوع في وسائل قياس مهارات الطالب، وتجاوز الفكرة القديمة السلبية وشديدة الخطورة من التركيز على فكرة الحفظ أو الاستعادة المعلوماتية، فتجاوزت الامتحانات هذا الشكل من استهداف قياس الحفظ إلى قياس مهارات ذهنية وعقلية متنوعة، وكذلك قياس مهارات وجدانية وتطبيقية تعتمد على الممارسة وترجمة القيمة المعرفية التي يتلقاها الطالب لتصبح سلوكا أو نشاطا عمليا.
منذ خمس سنوات كانت هناك توجيه ثم إلزام ومراقبة صارمة لهذا الأمر، وألا تترك مواصفات الامتحانات نهبا للعشوائية والارتجال والمصادفة والتصرفات الفردية أو حتى الأهواء كما كان يحدث في بعض الحالات، وهكذا يمكن القول بأن تركيز الدولة على هذه المسألة الخاصة بمواصفات الامتحانات لم يكن إلا عن رؤية عميقة وعن رغبة حقيقية في إجراء إصلاحات جوهرية في العملية التعليمية. فالدولة تدرك الفارق العميق بين حشود تركز على الحفظ وبين نوعيات أخرى من الخريجين يجب أن تكون لهم مواصفات خاصة تتناسب مع الواقع ومع بيئات العمل ومجالاته ويتوافر فيها صفات الإبداع والابتكار وتتحقق فيها السمات الشخصية الوافية.
بالطبع كانت هذه التوجيهات والإلزام في مواصفات الامتحانات مجرد خطوة عميقة ومهمة نحو إنجاز جودة حقيقية مختلفة عن الجودة المزعومة التي كانت من قبل، حيث كان يتم اختزالها في السابق في مجرد تستيف أوراق، فتغير هذا المنطق تماما وأعلمت الجامعات بأن المسألة ليست شكلية وأنها لن ترضي بهذه الشكليات وتريد إصلاحا حقيقيا في المحتوى التعليمي وفي البرامج التعليمية، بل في ثقافة التدريس والتعلم وفي الاشتغال على مهارات متنوعة وأن يكون التطبيق على أرض الواقع هو المعيار الذي تقاس به جودة التعليم.
وفي خطوات أخرى مهمة وعميقة الأثر عمل المجلس الأعلى للجامعات على إصلاح منظومة النشر العلمي في الجامعات وحسن كثيرا من وضع المجلات العلمية المصرية وألزمها بضوابط كثيرة ترتبط بالشفافية وبالانتظام في الصدور وغيرها من معايير جوهرية ترتبط بالتحكيم العلمي والاقتباس، وكلها كان مرهونا بها تنصيف المجلس الأعلى للجامعات لهذه المجلات، فأعاد خريطة النشر العلمي في مصر بشكل مختلف أسهم في تنظيم فوضى حقيقية كانت مهيمنة على هذا المجال في السابق، وهكذا كانت الكليات والجامعات حريصة كل الحرص على أن تحسن من تصنيفها وأن تطبق الضوابط التي ألزمها بها المجلس الأعلى للجامعات، والحقيقة أن البحث العلمي في مصر لا يمكن أن ينتظم وأن يتطور ويصبح بالقوة التي نرجوها بعيدا عن هذه المنظومة في النشر وبعيدا عن تطبيق المعايير الدولية.
عملت وزارة التعليم العالي كذلك في مسارات أخرى ترتبط بتطوير البرامج التعليمية واستحداث برامج جديدة ترتبط تماما مع الواقع ومع سوق العمل ليس المصري فقط، بل العالمي كذلك وحرصت على أن تكون هذه البرامج التعليمية متطابقة ومتكافئة تماما مع البرامج الدولية المعتمدة في أرقى الجامعات وهو ما يحرر المنافسة ويجعل الخريج المصري في احتكاك حقيقي وعملي مع الواقع ومجالات العمل وبالتعبية كذلك يصبح التعليم المصري نفسه في مقارنة وقياس مع التعليم في أي من جامعات العالم المتميزة، وربما تكون هذه الإصلاحات هي السبب في تحسن تصنيف كثير من الجامعات المصرية وتقدمها لدى بعض المؤشرات الدولية وأتصور أنه الخطوات التي يتم اتخاذها كثيرة وتحتاج إلى رصد واف ومتابعة شاملة.