برج إيفل وعلاقته بحديد منجمي زكار والروينة الجزائريين.. اتهامات لا تنتهي
بعد مرور أكثر من 135 عامًا، على بناء أبرز معلم سياحي في العالم، «برج إيفل» الذائع صيته بالعاصمة الفرنسية باريس، خلال فترة حكم الجمهورية الثالثة، ما زلنا في صدد الأحاديث المتناقلة جيلًا من بعد جيل من قبل الشعب الجزائري متهمين فيها فرنسا بسرقة ما يقارب 7 آلاف طن من الحديد الجزائري لتشييد البرج الأيقوني، أثناء فترة الاحتلال الفرنسي على الجزائر (1830 – 1962).
فكم ومن روايات متضاربة ظهرت خلال الأعوام الماضية خلال الألفية الماضية وما بعدها بين البلدين عبر منصات التواصل الاجتماعي، بشأن مصدر الحديد المستعمل في تشييد برج إيفل والذي ظلّ يحمل اسم أعلى مبنى في العالم لغاية احتفال فرنسا بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر سنة 1930 عام (تشييد مبنى كرايسلر في «نيويورك» بالولايات المتحدة الأمريكية).
وفي وقت يؤكد فيه أبناء عاصمة النور على أن حديد برج إيفل نُقل من مدينتي لوريان ونانسي الفرنسيتين، وأن بناء «إيفل» لا يمت من قريب أو بعيد بالجزائر، إلا أن يتداول أن الشعب الجزائري يصمم أن فرنسا نهبت حديد بلادهم مستغلين جودة المادة الأولية للحديد الخام الجزائري (نسبة الحديد العالية فيه)، واستخدموه في تشييد «إيفل» بفعل إعجاب المهندس غوستاف إيفل بنقاوة الحديد الجزائر
تقوم حجة الجزائريون إلى سرقة فرنسا ما يقارب من 7 آلاف طن من الحديد من منجميْ الروينة وزكار، بمدينتي عين الدفلى وخميس مليانة، لاستخدامه في تشييد المبني السياحي الأعلى عالميًا آنئذ.
ورد المؤرخ والباحث الجزائري في تاريخ الاقتصاد، البروفيسور محمد الصالح بوقشور، على الجدل بشأن بناء برج إيفل الفرنسي بالحديد الجزائري من عدمه وقدم أدلة تاريخية حول الملف، وقال إحدى حواراته الصحفية «إنّ مؤسسة واحدة مختصة في استخراج معدن الحديد كانت تنشط بالجزائر عندما قررت فرنسا بناء معلمها المعماري سنة 1886، وهي شركة مقطع الحديد».
وأوضح أنّ «الشركة تأسست في أبريل 1865 من طرف المهندس بولان تالابو، الذي ساهم بفعالية في إنجاز مشاريع عالمية ضخمة على غرار قناة السويس».
وأضاف بوقشور: «لقد اشترى تالابو منجم عين مقرة، من مالكه الأول أوغان دو باسانو، والذي كان قد استهل في استغلاله منذ سنة 1846، ومن ثمّ استحوذت الشركة عام 1879 على منجم ثان بمدينة بني صاف بغرب الجزائر».
لم تكن تنشط في قطاع استخراج الحديد بالجزائر مع بداية وطيد بناء برج إيفل سنة 1887، سوى شركة واحدة امتلكت 3 مناجم فقط، بحسب ما أورده أوغست باولاوسكي في كتابه «دليل المناجم والخامات المعدنية في فرنسا والجزائر، باريس» الصادر سنة 1919.
أما عن الطاقة الإنتاجية خلال الفترة الممتدة من سنة 1886 إلى نهاية الأشغال في برج إيفل سنة 1889، فقد كانت قدرات فرنسا المنجمية في حدود 2.6 مليون طن سنويًا؛ ولتغطية هذا الخلل، كانت تستورد 1.5 مليون طن سنويًا من عدة دول أوروبية.
لقد تم الانتهاء من تشييد إيفل سنة 1889، في وقت كانت كان فيه أكبر منجمين في الجزائر محض الإنشاء، أولهما منجم «زكار» الذي بدأ نشاطه عام 1904، والثاني منجم «الروينة» والذي تلى بدأ نشاطه عقب الأول بعامين.
مع النظر لهذه المؤشرات نجد أن مؤسسة واحدة خلال فترة بناء البرج هي التي كانت تعمل بالغعل، وهي شركة مقطع الحديد التي كانت تمتلك 3 مناجم، منجمان منها في الشرق الجزائري والآخر بأقصى الغرب، في حين لم تمتلك رخصة استغلال منجمي زكار والروينة.
وعليه، فإنّ احتمال استعمال حديد منجمي زكار والروينة في تشييد برج إيفل هو أمر مستبعد تمامًا.