
صُنف ضمن أكثر 10 قادة تأثيرًا لعام 2025.. ماهر القاضي: الاهتمام بالبحث العلمي أساس تقدم الأمم ورقيها

مع بزوغ شمس 12 فبراير لعام 2025، استيقظ الدكتور ماهر القاضي كعادته مبكرًا؛ لأداء عمله، وإذ به يتفاجأ بخبر سعيد: تصدر اسمه غلاف إحدى المجلات العلمية المرموقة.
تصدرت صورة القاضي -الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس الأميركية (UCLA)- غلاف مجلة «CIOLOOK» التي صنفته كواحد من أكثر 10 قادة تأثيرًا في مجال التنقل الكهربائي لعام 2025، في عددها الأخير.
وتصدر القاضي ـ المؤسس المشارك والمدير التنفيذي للتكنولوجيا في شركة "نانوتك إنيرجي" المتخصصة في تطوير وإنتاج البطاريات، ومقرها كالفورنيا ـ التكريم الأخير كونه أحد الذين قادوا التغيير التحويلي في الصناعة نحو مزيد من الاستدامة والابتكار في مجال التنقل الكهربائي، بعدما تمكن من أن "يُحدث ثورة في أنظمة الطاقة"، بحسب تعبير المجلة، التي قالت في تقديمها له إنها "تفتخر بإسهاماته وقيادته الثاقبة في الربط بين البحث العلمي المتقدم والتطبيقات العملية في تخزين الطاقة".
* مجلة عالمية يتصدر عددها الأخير عالم مصري
وعن هذا الإنجاز يقول القاضي لـ"مصر الآن": «CIOLOOK هي مجلة إعلامية متخصصة في تسليط الضوء على رواد الأعمال والمبتكرين والشركات الرائدة في مختلف الصناعات، وكان من حسن حظني أن تتصدر صورتي غلاف المجلة في عددها الصادر حديثًا مع مطلع العام الحالي 2025؛ فالاختيار لم يكن محض الصدفة أو تحقق بين ليلة وضحاها، إطلاقًا، بل إنه تحقق نتيجة ما قدمته من مجهودات وأبحاث سخية ومستمرة رفقة فريق بحثي في مجال تطوير تقنيات تتعلق بتخزين الطاقة؛ والتي أحدثت تغييرًا في مجال التنقل الكهربي، عن طريق تقديم بطاريات ذات كفاءة أعلى وعمر أطول وقدرة تخزينية أفضل، وهو ما ساهم في إحداث نقلة نوعية في الصناعات الكهربية والتكنولوجية حول العالم».
* تكريمات عديدة
لم يكن تصدر صورة القاضي لغلاف مجلة «CIOLOOK» إنجازه الأول، حيث حصل الباحث المصري على جائزة الباحثين الشباب المقدمة من دورية "إنيرجي ستوريج ماتيريالز" لعام 2024، وتقدِّم الدورية هذه الجائزة سنويًا إلى ثلاثة من الباحثين الشباب الذين أثْروا مجال تخزين الطاقة بدراساتهم المتميزة، وأسهموا في تطويره إسهامًا كبيرًا. ويُعَد القاضي أول باحث مصري عربي يحصل على هذه الجائزة.
وصنفته مؤسسة: «Chemical-Engineering News» لعام 2022 كواحدًا من الموهوبين الاثنى عشر في العالم في مجال الكيمياء، إضافة لحصوله على جائزة الابتكار من قبل معرض الالكترونيات الاستهلاكية (أهم حدث تكنولوجي في الولايات المتحدة الأمريكية)؛ لتصميمه بطاريات بطاريات غير قابلة للاشتغال بخلاف الليثيوم أيون.
* من القاهرة إلى لوس أنجلوس وعلاقة البوليمرات الموصلة
ولد القاضي عام 1983 بمحافظة الجيزة لأسرة بسيطة ونشأ في كنف والده وتلقى تعليمه على أفضل صورة، إلى أن تخرج من قسم الكيمياء في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام 2004، ومن ثم تم تعيينه معيدًا في الكلية كونه كان الأول على دفعته، إلى أن حصل على درجة الماجستير من الجامعة نفسها في تخصص علوم النانو عام 2008، وعمل خلال سنوات الماجستير على تحضير "البوليمرات الموصلة" والتي تحدث عنها في حواره مع "مصر الآن" وقال: «البلوميرات هي مواد بلاستيكية تتميز بقدرتها على توصيل الكهرباء، لذا تُسْتَغَل في تطوير المستشعرات الحيوية المختلفة، والكشف عن المركبات الحيوية في الجسم البشري، التي قد يؤدي حدوث أي خلل في نسب هذه المركبات والمواد إلى إحداث عدم توازن في جسم الإنسان؛ والذي قد يودي به إلى الإصابة باضطرابات عصبية كالاكتئاب والشلل الرعاش، وهنا تكمن أهمية البلوميرات والتي تساعد الأطباء والمتخصصين على المضي قدمًا في تيسيير معرفة أي تغيرات في نسب هذه المركبات في الجسم والعمل على معالجتها». وقد حصد اكتشاف هذه البوليمرات جائزة نوبل في الكيمياء عام 2000.
وكما طور الباحثون البوليمرات الموصلة عبر الصدفة نتيجة خطأ غير مقصود في أثناء إجراء التجارب الكيميائية، دفعت الصدفة القاضي إلى لقاء ريتشارد كينر -الأستاذ بقسم علم المواد والهندسة في جامعة كاليفورنيا- عبر مؤتمر بالفيديو عن بعد، الأمر الذي دفع الباحث الشاب إلى الاستقرار في الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2009؛ لإجراء أبحاث الدكتوراه في معمل البروفيسور كينر. واستمر الباحث الشاب في عمله الدأوب في تحضيره للدكتوراه في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس إلى أن حصل عليها عام 2013.
* الغرافين.. تحويل مسار
بعد فترة من دراسات القاضي وعمله على إحداث طفرة في مجال البوليمرات الموصلة أيقن الباحث الشاب أن مجال البوليمرات الموصلة -رغم أهميته الكبرى- لم يعد يمتلك كثيرًا من الاكتشافات في جعبته، يقول القاضي لـ"مصر الآن": «البلوميرات الموصلة اكتُشفت في سبعينيات القرن الماضي وقدم الباحثون في هذا المجال دراسات كُثر، وهذا ما دفعني إلى تحويل مساري المهني إلى محاولة إحداث طفرة في مادة الغرافين والتي اكتُشفت حديثًا وتحديدًا عام 2004، واستهل العلماء العمل عليها عام 2006، أي قبل وصولي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بثلاث سنوات، فالمجال آنئذ كان لا يزال حديثًا على الساحة العلمية وإدراك اكتشافات في جعبته سيكون أمرًا أكثر واقعية».
ويتابع: «الغرافين مادة تتكون من طبقة أحادية من الكربون، وتُستخرج من الغرافيت الذي يضم طبقات عدة من الغرافين، وتتضمن أشهر استخدامات الغرافيت تصنيع الأقلام الرصاص، ويمتلك الغرافين مقومات عدة دفعت العلماء إلى تسميته "المادة المعجزة" منها: توصيل الكهرباء بكفاءة تتخطى كل المواد الموصلة المعروفة، وسُمكه شديد الصِغَر، ومتانته تتخطى الفولاذ، إلى جانب قدرته على تخزين الطاقة، وقررت استثمار جُل وقتي ودراساتي في تطوير استخدام هذه المادة المميزة؛ من أجل استغلالها في صناعة بطاريات تخزين الطاقة وتطويرها، فأجريت دراسات عدة برزت منهم دراستان حققتا تأثيرًا كبيرًا في مجال علم المواد».
* الصناعات الكهربية وتطوير بطاريات الليثيوم
يسعى القاضي من خلال قيادته لفريق من الباحثين إلى الربط بين الابتكار العلمي والتطبيقات العملية، أو بمعنى أدق ترجمة الأبحاث المتقدمة إلى حلول قابلة للتطبيق والتنفيذ؛ لتخزين الطاقة، يقول القاضي لـ"مصر الآن": «هذا الأمر يحتاجه العالم بشدة حاليًا من أجل مستقبل أكثر نظافة واستدامة، من خلال الاعتماد الكلي على إنتاج الطاقة الكهربية من المصادر المتجددة؛ حتى نتجنب الكوارث البيئية الناتجة عن تغير المناخ، والإنجاز الذي حققته مؤخرًا جاء من خلال عملي في محاولة إيجاد حلول تخزين أكبر للطاقة من خلال استخدام الابتكار؛ لتحسين أداء بطاريات الليثيوم أيون مع توفير أكبر قدر من السلامة والاستدامة».
ويكمل: «يتضمن دوري أيضًا توجيه الفريق البحثي؛ لاستكشاف مواد جديدة، وتحسين تصميمات البطاريات، وتسريع الانتقال من النماذج الأولية على نطاق المختبر إلى المنتجات القابلة للتطبيق تجاريًا وتسويقيًا؛ لأن أحد الأهداف الرئيسية هو سد الفجوة بين البحث الأكاديمي والتطبيقات الصناعية وضمان أن الابتكارات ليست متقدمة من الناحية التكنولوجية فحسب، بل وقابلة للتطوير، وفعالة من حيث التكلفة، ومتوافقة مع احتياجات السوق، ونحن نجحنا بالفعل في تطوير بطارية يمكنها العمل في درجات حرارة منخفضة مثل سالب 40 أو 50 فهرنهايت، حيث يعاني سكان المناطق القطبية من عدم تحمل البطاريات الكهربائية التقليدية المتوفرة حاليا للعمل في ظل هذا البرد القاسي».
* الاستهانة بالتغيرات المناخية ودخول الصناعات الكهربية حيز الشرق الأوسط
تشير عدة إحصائيات إلى أن 30% من الانبعاثات الكربونية في دول الشرق الأوسط، تسببها وسائل التنقل مثل السيارات مع الأنشطة الصناعية ومحطات الطاقة، وأنه لا بد من تقليل تلك الانبعاثات، عن طريق الاتجاه لتشغيلها بالكهرباء، وهنا تزايدت التساؤلات حول كيفية تغىير رؤى الناس في أوطاننا العربية والإفريقية نحو هذا الاتجاه في ظل ارتفاع أسعار السيارات التي تعمل بالكهرباء؛ وبالتالي فإن هذه النسبة لن تتغير كثيرًا خلال الفترة المقبلة حال استمرار ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية وخلافه، وعن هذه التساؤلات، يوضح القاضي لـ"مصر الآن": «يجب أن تعمل الدول العربية والإفريقية على محاولة الحد من نسب هذه الانبعاثات الكربونية المتزايدة والتي تؤثر سلبًا على المناخ، ويكمن الحل من خلال الاتجاه صوب الصناعات الكهربية وعدم الاعتماد على أساليب إنتاج الطاقة التقليدية غير المتجددة كالبترول والغاز الطبيعي كونها مصادر قابلة للنفاذ في أية لحظة، وبالنسبة لكيفية تغير رؤى الناس نحو استعمال السيارات الكهربية نيابة عن السيارات التقليدية فهذا ليس بالأمر المستحيل، دعونا أولًا نوضح بأن البطاريات تساهم بنحو 40 إلى 50%من سعر السيارات الكهربية وهذا رقم كبير للغاية، ولكي تكون أرخص وأكثر رواجًا كان لابد من العمل على تقليل سعرها في السوق وهو مع تحقق بالفعل».
ولكن كيف تحقق ومحصلة استخدام السيارات الكهربية في دول الشرق الأوسط وإفريقيا قد تكون منعدمة؟
يشير القاضي: «في عام 1991 صدرت أول نسخة من بطاريات الليثيوم أيون وكان سعرها آنئذ هو 1000 دولار لكل كيلواط-ساعة، ومع مرور السنوات بات سعرها 100 دولار لكل كيلواط-ساعة، ووصول سعر السيارة الكهربية في الوقت الحالي إلى 40 ألف دولار بعدما كانت تتجاوز حد الـ 100 ألف دولار خلال السنوات الماضية، وهذا تحقق نتيجة العمل على تطوير بطاريات الليثيوم أيون؛ حيث تشير تنبؤات علمية إلى أن مساهمة سعر البطارية في تحديد سعر شراء السيارة الكهربية سينخفض في حلول عام 2030 من 50% من سعر السيارة إلى 15% فقط، وهو ما سيُخفض من سعرها في الأسواق العالمية، وتضمين صناعة بطاريات تخزين الطاقة ورواج السيارات الكهربية داخل حدود وطننا العربي، ليس أمرًا مستحيلًا، لكنه يستدعي وجود إرادة حكومية قوية، وآليات تنفيذ محكمة، مع توفير الدعم اللوجستي اللازم لمثل هذا النوع من الصناعات والاختراعات».
* الإسهام والبحث العلمي في الوطن العربي
كثيرة هي الكوارث، وما تخلفها من خسائر مادية وبشرية، وما يقابلها من رعونة على المستوى البحثي والجامعي، في العالم العربي، وعن أسباب ضعف اهتمام كثير من دول الشرق الأوسط ومصر بدعم البحث العلمي الخاص بالمناخ والبيئة وكذلك الشركات الناشئة في هذا المجال رغم أهميته دفع القاضي لتوضيح هذا الأمر.
في هذا السياق، يقول ماهر القاضي في حديثه لـ"مصر الآن": «ملف البحث العلمي في الوطن العربي يجب بأن يولي اهتمامًا أكبر من قِبَل الباحثين والمؤسسات العلمية والحكومات؛ فالتقدم في هذا المجال الخطير يحدد مدى هيمنة الدول اقتصاديا -وربما سياسيا- على باقي دول العالم، فالاهتمام بالبحث العلمي أساس تقدم الأمم ورقيها، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على سبيل المثال لم يتقدموا اقتصاديًا ويهيمنوا على الاقتصاد العالمي؛ لأنهم يتمتعون بعقول علمية فذة عن التي تتواجد في أوطاننا العربية، إطلاقًا، بل السبب أنهم ساروا صوب الاهتمام بمجال البحث العلمي وجعلوه أولويتهم الأولى ووفروا لهذا الملف نسبة كبيرة من دخلهم القومي عكس ما يحدث في دولنا العربية، فمصر على سبيل المثال تحوي عدد كبير من العقول المميزة والتي تبدع وتثري العالم باكتشافات وأبحاث علمية عندما يتجهون إلى الخارج حيث بيئة العمل المناسبة والتي تمثل لهم الملاذ؛ لإظهار كفاءتهم العلمية».
ويضيف: «أقوى 10 شركات كقيمة تسويقية في العالم تتواجد داخل الولايات المتحدة الأمريكية وجميعها شركات بادئة نشأت خلال آخر عقدين؛ بفضل أفكار علمية بسيطة قادتها الجامعات والفرق البحثية، وجميع تلك الشركات لم تتأسس على موارد طبيعية، عكس شركات دول الشرق الأوسط التي أُسست أغلبها على الموارد الطبيعية غير المتجددة، فالنجاح كل النجاح للصناعات الكهربية والتكنولوجية، واهتمام دولنا العربية وخاصة مصر لن يتحقق إلا من خلال توفير نسب كبيرة من الدخل القومي؛ لخدمة ملف البحث العلمي، وتوفير بيئة أفضل تتناسب مع العلماء والباحثين وتخرج كل ما في جعبتهم من اكتشافات ستثري من قيمة الوطن وهيمنته عالميًا».
ويختتم القاضي حديثه لـ"مصر الآن": «خلال 20 عامًا من الآن يمكننا كدول عربية الهيمنة على الاقتصاد العالمي إن أولينا اهتمامًا حقيقيًا بملف البحث العلمي وليس مجرد شكليات تظهر على التلفاز و الإحصائيات، ولنا في الصين خير مثال على هذا، فمنذ بداية الألفية الجديدة بدأت الصين طريقها نحو النهضة الحقيقية بفضل توفيرها ميزانية ضخمة من دخلها القومي؛ لخدمة ملف البحث العلمي إلى أن أصبحت في غضون 20 عامًا تتساوى في ثقلها الاقتصادي والسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتفوقت عليها في عدد براءات الاختراع العام الماضي بعدما قدمت ما يقارب الـ 56 ألف براءة اختراع دولي في مقابل 46 ألف براءة اختراع تقريبًا من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لم يتحقق محض صدفة بل إنه نتاج بناء وتخطيط جيد في ملف البحث العلمي».


استطلاع راى
مـــع أم ضــــد اعتمـــاد نظـــــام البكالوريا بديلا للثانويـــــــة العامـــــــــــــة
نعم
لا
اسعار اليوم

