الاثنين 21 نوفمبر 2022 | 06:00 م

د.إسراء البابلى ..أول طبيبة أسنان مصرية وعربية من ضعاف السمع : لا أتحدث عن أحلامى قبل أن تتحقق

شارك الان

هى نموذج مختلف بكل المقاييس ، فعلى الرغم من أنها فاقدة لحاسة السمع منذ الولادة إلا أنها تتمتع بشخصية فريدة من نوعها ، فتمتلك من الذكاء والإدراك وسرعة البديهة أكثر مما يمتلكه أى شخص عادى ، تؤمن بأنها مختلفة لكنها ترفض تصنيف البشر على إعتبار أننا جميعا لدينا إعاقة بشكل ما لكن أسوأ أنواع الإعاقات هى "الإعاقة النفسية" التى تسود القلوب فتصبح بلا رحمة ، ترفض الحديث عن أحلامها وطموحاتها إلا بعد أن تصبح واقعا .. فى السطور التالية تفاصيل أكثر عن تجربة د.إسراء البابلى أول طبيبة أسنان مصرية وعربية من ضعاف السمع ..

 

- متى إكتشف والديكي معاناتك من ضعف السمع ؟

فى عمر سنة وشهرين تقريبا ، عندما كنت مقيمة بدولة البحرين ،وبدأ والدى ووالدتى يلاحظان أننى لا أنتبه لكلامهما أو نداءهما ،وظل الشك لديهما لفترة حتى ذهبنا إلى الطبيب الذى أكد لهما اننى أعانى من فقدان تام لحاسة السمع منذ الولاده وهو ما يطلق عليه "ضعف سمع حسى عصبى عميق" ، وإضطررت لتركيب ما يسمى "معين سمعى" وهو جهز ضخم ثقيل الوزن وشكلة ملفت وغير مريح إطلاقا .  

 

- و كيف كانت رحلة العلاج ؟

كانت رحلة صعبة مليئة بالتفاصيل ، ففى بداية التسعينات ، قرر والدى و والدتى أن نسافر إلى بريطانيا على إعتبار أنها المكان الأفضل للعلاج فى هذا التوقيت وكان لديهم أمل فى أن يختلف التشخيص هناك أو أن لديهم حل سحرى أو جراحة تنقذنى ،لكن ما تم هو إستبدال "المعين السمعى" بسماعة "فوناك" يتم تركيبها خلف الأذن ، حيث كانت عملية زراعة القوقعة بمثابة" وهم" بالنسبة للأطباء فى ذلك الوقت ، ثم بدأت رحلتى مع جلسات تخاطب مكثفة  استمرت 3 سنوات متواصلة ولم يكن التحسن ملموس ثم التحقت بمدرسة عادية فى سن الرابعة ، وقررت إجراء جراحة زراعة القوقعه فى عام 2007 بمحافظة الإسكندرية . والحقيقة أن أسرتى عانت كثيرا خلال رحلة العلاج فكانوا يسعون بكل الطرق لتوفير سبل الراحة لى ومحاولة البحث عن أى خطوة قد تساهد بشكل أو بآخر فى أن أعيش بشكل أفضل ، فقدموا لى كل الدعم المادى والنفسى من أجل راحتى .

 

- لماذا اخترتى مجال طب الأسنان تحديدا  ؟

أعشق هذا المجال منذ صغرى , وأعلنت عن رغبتى فى أن أصبح طبيبة أسنان قبل الإلتحاق بالثانوية العامة ،وكنت أذاكر ما يزيد على 7 ساعات يوميا  طوال فترة الثانوية العامة صيف شتاء حتى حصلت على مجموع 94.4 % وكنت أول ضعيفة سمع تحصل على هذا المجموع وتلتحق بكلية طب الأسنان وأول عربية تتمكن من الإلتحاق بهذا التخصص .

 

- ما أهم الصعوبات التى واجهتك خلال فترة الطفولة  ؟

خلال فترة الطفولة لا أتذكر أى معاناه بل كل ما أتذكره زملائى الأعزاء الذين كانوا بمثابة إخوة بالنسبة لى ومعلمات ترتسم على وجوههن السعادة والفخر بنجاحى وتفوقى الدائم ورغم بعد المسافات عنهم إلا أننى مازلت على إتصال بهم حتى الآن .

 

- تعرضتى للتنمر خلال دراستك بالجامعة ، كيف استطعتى تجاوز هذ الأمر ؟

للأسف كانت فترة الجامعة من أسوأ فترات حياتى ، بسبب سوء معاملة الزملاء والأساتذة لى وقسوتهم ولكننى الحمد لله لم أهتم بكل ذلك ولم يؤثر على دراستى ونجاحى وتميزى ،ولا أنكر أننى أثناء دراستى بالفرقة الثانية بالكلية فكرت فى ترك الكلية وإستكمال الدراسة بالخارج لكننى تراجعت وقررت ألا أترك تخصصى و ألا أتخلى عن حلمى وحياتى من أجل فكرعقيم .

الحقيقة أن أستاذتى الجميلة الدكتورة نيفين راجى كان لها  فضل كبير علىّ فى الإستمرار بدراستى بالكلية وعدم تغيير مسارى .فكانت دائما ما تشجعنى وتؤكد لى أن المشاكل التى تواجهنى هى نتاج لأشياءتحتاج إلى تعديل وليست بسبب تقصير منى على الإطلاق ،وكانت تساعدنى فى إيجاد حلول لأى مشكلات تواجهنى وتتعامل مع تلك الحلول على أنها منهج يناسب أى حالة تلتحق بالجامعة فى نفس ظروفى . وأعتقد  أننا جميعا نتعرض لشكل من أشكال التنمر ،وأالحمد لله تجاوزت الإلتفات إلى تلك الأمور منذ سنوات طويلة ، ربما لتكرار المواقف أو لأننى أصبحت أنظر لمن يقوم بذلك بأنه الأضعف وهو بالفعل من يحتاج إلى التعاطف لأنه مازال يفكر بتلك الطريقة .ولا أنكر أننى تعررضت خلال سنوات الجامعة إلى أبشع صور التنمر والتى كانت تؤلمنى بشدة حيث كنت أشعر وكأننى أتسول العلم وشعرت كثيرا بالإذلال كى أصبح كما أريد وأحلم .

 

- ما الرسالة التى تسعين لتوصيلها من خلال وجودك كعضوة بمجلس نقابة أطباء الأسنان ؟

أننى لن أترك بابا مغلقا أمام أحلامى وطموحاتى ،فربما أفشل لمرات لكننى على يقين بأننى سوف انجح فى النهاية ،وهذا كان شعورى عند التقدم بأوراق الترشح لمجلس نقابة أطباء الأسنان ،ولكننى بفضل الله نجحت من أول جولة وهذا النجاح أسعدنى جدا وأثبت أن المجتمع حقا يتغير ، ويختار الأصلح ولا ينظر سوى للكفاءة دون تمييز بين البشر، فكل ما أسعى اليه و أتمنى أن أنجح فيه هو تغيير المجتمع وقبول الاخر كما هو وأن يتاح لنا التنافس على أى موقع أو مكان أو الإلتحاق بأى وظيفة بناء على قدراتنا ومؤهلاتنا وألا يتم إستبعادنا من أى منصب لأننا مختلفون وأتمنى أن يكون المجتمع أكثر تسامحا ووعيا وألا يعاقبنا على شىء ليس بأيدينا

 

 

- تكريمك من الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المؤتمر الوطنى للشباب بدورته الثالثه ، ماذا يمثل لكى ؟

تكريم الرئيس السيسى يعنى الكثير بالنسبة لى فهو أكبر دليل على تقدير القيادة و وإعتراف بحقوق فئات كانت مهمشة لفترات طويلة ورسالة للمجتمع كى يتغير ، ويدرك أن لنا حقوق متساوية ولسنا أقل أو أدنى من أى شخص .وهو بمثابة مكافآة إلهية لى عن سنزوات من التعب والمعانانه ،فلم أحصل على أى تكريم أو تقدير من جامعتى ح،حتى حفل التخرج لم أحضره ، فجاء هذا التكريم وسط نخبة من القامات والنماذج الشبابية الناجحة ليكون بمثابة "طبطبة " تغلب عليها روح الحب والفخر والسعادة .

 

 

- هل تواجهين أى صعوبات فى التواصل مع المرضى ؟

إطلاقا ، لا أجد أى صعوبة فى التواصل مع المرضى ، فالمريض عادة ما يختار الطبيب بناءا على المهارة والكفاءة ويدرك ذلك من الزيارة الأولى ،والحمد لله أنا أستطيع قراءة حركة الشفاه ولا أواجه أى مشكلة فى التواصل مع المرضى بشكل طبيعى ، والكثير من المرضى يتعاملون معى على أساس أننى طبيبة أجنبية ولا أتحدث اللغة العربية .

 

- ما الذى يميز تجربتك عن غيرك من فاقدى حاسة السمع ؟

اعتبر تجربتى مختلفة لأنها تجربة مكتملة ،بمعنى أننى فاقدة لحاسة السمع منذ الولاده

، أى أننى لست ضعيفة سمع بل صماء منذ الولادة ، أى لم يكن لدى أى حصيلة لغوية وهو أمر مختلف عن أى شخص فقد حاسة السمع ولو بعد شهور من ولادته ، ورغم ذلك لم أتعلم لغة الأشارة بل اخترت التواصل باللغة مثل أى شخص ،وتعلمت قراءة حركة الشفايف،وكذلك لم ألتحق بمدارس خاصة بفئة معينة بل درست بمدارس عادية  ودرست مناهج عادية مثل زميلاتى ،الحمد لله لم أرسب فى أى سنه دراسية بل كنت أحصل على أعلى الدرجات فى كل مراحل التعليم ، والحمد لله إلتحقت بكلية طب الأسنان وأصبح لى عيادتى الخاصة وأعد رسالة الماجيستير الخاصة بى، وبالتالى أرى فى تجربتى أنها لا تختلف أبدا عن تجربة أى شخص عادى ، فالله تعالى هو من اختار لى الطريق الذى أسير فيه حتى أكون سبب لمسيرة سهلة ورحلة أكثر يسرا وفخرا لغيرى ممن هم فى نفس ظروفى .

 

- ماذا عن أول مؤلفاتك الذى صدر مؤخرا ؟

أعشق القراءة منذ صغرى ، ومع الوقت أصبحت أحب الكتابة أيضا والحمد لله أصدرت أول مؤلفاتى  وهو مجموعة قصص قصيرة يغلب عليها الطابع الإنسانى فى كتاب بعنوان "من الخيال"  

 

- ما أهم ما يحتاج إليه أى شخص مختلف فى المجتمع ؟

أكثر ما نحتاج إليه هو توفير سبل الإتاحة حتي يصبح كل شىء صعبا سهلا وممكنا ، بحيث يستطيع كل شخص يفتقد لحاسة من الحواس أن يتواصل مع المجتمع بالطريقة التى تناسبه ويصبح قادرا على أن يكمل حياته بشكل طبيعى دون أن يحتاج لمساعدة أحد ، فمن حق من لديه مشكلة فى الحركة أن يتوفر له كرسى متحرك وأسانسير وخلافه ،وكذلك من يعانى من فقدان حاسه البصر لابد من أن نوفر الوسائل السمعية المناسبة التى تساعده على الحركة والتواصل بسهوله ،ونفس الحال بالنسبة لفاقد حاسة السمع يمكن بتوافر المواد المكتوبة أن يتواصل مع الآخر ويعيش حياته بكل سهوله وهكذا . .

 

 

 

- بما تنصحين أى أسره لديها طفل مختلف ؟

أثق فى أن الله تعالى له حكمة من أن يخلقنا مختلفين ،فالتنوع بين البشر هو أساس هذا الكون ، لذلك يجب على كل أسره لديها طفل أو شخص مختلف أن تتقبله كما هو وأن تتعامل معه كأى طفل عادى وتبذل معه الجهد اللازم والمطلوب وفقا لإحتياجاته ، وأن تبحث عن مهاراته وتحاول تنميتها حتى يتميز فيها ويستطيع أن يثبت ذاته ويكون له دور مؤثر فى المجتمع.

- ماذا عن أحلامك وطموحاتك المستقبليه ؟

لا أتحدث عن أحلامى وطموحاتى إلا بعدما تصبح حقيقة وواقع فهى دائما غير متوقعه و بلا حدود .